بدأت الصين امس الاثنين استقبال ممثلين لأكثر من مئة دولة لحضور المنتدى الثالث لمبادرتها “الحزام والطريق” الذي يتوقع أن تطغى عليه الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة حماس، في ظل مناداة بكين بالمساعدة على وقف التصعيد.
يأتي هذا في وقت يقول فيه مراقبون إن الصين ستوظف موقفها السياسي المنتقد لإسرائيل لتقوية حظوظ “الحزام والطريق” على حساب الممر الاقتصادي الأميركي الذي ينطلق من الهند ويمر عبر إسرائيل في انحياز أميركي كامل لحكومة بنيامين نتنياهو التي تضع آخر اهتماماتها موضوع السلام والتطبيع في الشرق الأوسط، وهي الأرضية التي تنطلق منها مبادرة الممر.
ويتوقع أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أبرز الحاضرين في أول زيارة خارجية له إلى قوة كبرى منذ بدء قواته غزو أوكرانيا العام الماضي وما تلاه من عزلة غربية فُرضت على موسكو.
وبدأ الزعماء والمدعوون بالوصول إلى العاصمة الصينية لحضور المنتدى واحتفال رسمي بمرور عشرة أعوام على المبادرة الاستثمارية الضخمة التي أطلقها الرئيس الصيني شي جينبينغ، وتهدف إلى تعزيز النفوذ الدولي لبلاده.
وتعرضت الصين لانتقادات غربية على خلفية عدم إدانتها الصريحة لحركة حماس وعدم ذكرها بالاسم في بياناتها، في حين كان انتقاده لإسرائيل واضحا.
وذكر بيان لوزارة الخارجية الصينية الأحد أن الوزير وانغ يي قال لنظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان السبت إن ما تفعله “إسرائيل يتجاوز حدود الدفاع عن النفس”، ويجب على قادتها التوقف عن فرض “عقاب جماعي على سكان غزة”.
وشدد على وجوب “أن تستمع إسرائيل بجدية إلى نداءات المجتمع الدولي والأمين العام للأمم المتحدة” أنطونيو غوتيريش.
ويجد الموقف الصيني من إسرائيل الإشادة ليس فقط من حماس والدول القريبة منها، وإنما أيضا من دول عربية وقعت اتفاقات أبراهام أو كانت في طريقها إلى التوقيع مثل السعودية.
ولم تترك إسرائيل لهذه الدول أي مسوغ للاستمرار في الدفاع عن التعاون معها، بل على العكس أحرجتها بسبب الاعتداءات المستمرة على المدنيين واستهداف المسجد الأقصى وزيادة الاستيطان.
وترتبط الصين بعلاقات وثيقة مع إيران الداعمة لفصائل إقليمية مناهضة لإسرائيل أبرزها حركتا حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله الذي حذّرته واشنطن وأطراف غربية من فتح جبهة ثانية ضد الدولة العبرية.
ومن المقرر أن يزور المبعوث الصيني الخاص تشاي جون المنطقة هذا الأسبوع للدفع نحو وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإجراء مباحثات سلام، وفق ما أفاد به الإعلام الرسمي الصيني الأحد، دون تحديد جدول لزيارته.
وقالت الباحثة المتخصصة في الشأن الصيني بمركز “أتلانتيك كاونسل” البحثي الأميركي نيفا ياو “إن منتدى الحزام والطريق قد يمنح الصين فرصة تجديد أطر الدعم لمواقفها السياسية”.
وأوضحت لوكالة فرانس برس أن “حضور أي زعيم دولة لهذه القمة سيكون بمثابة موافقة على مواقف بكين بشأن هذه القضايا الدولية”. ووصل عدد من المسؤولين إلى بكين استعدادا للمنتدى الذي يقام رسميا الثلاثاء والأربعاء.
ومن هؤلاء رؤساء وزراء المجر فيكتور أوربان وإثيوبيا آبي أحمد وكمبوديا هون مانيه، إضافة إلى رؤساء تشيلي غابريال بوريك وكينيا وليام روتو وإندونيسيا جوكو ويدودو. والاثنين وصل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى الصين، حيث عقد مباحثات مع نظيره وانغ يي.
وشكر لافروف الصين على دعوتها بوتين ليكون “كبير الضيوف” في المنتدى، وفق نص المحادثة الذي نشرته موسكو، مشيرة إلى أن وزير الخارجية سيتوجّه إلى كوريا الشمالية بعد بكين. وأضاف لافروف أن العلاقات بين الصين وروسيا “تتطور”، مؤكدا أن الزعيمين “سيناقشانها بأكملها عندما يجتمعان”. بدوره أكد وانغ أن الصين “تقدّر” الدعم الروسي لمبادرة “الحزام والطريق”.
كما بحث الوزيران النزاع بين إسرائيل وحماس فيما شدد وانغ على أن بكين “تدين جميع الأعمال التي تلحق الأذى بالمدنيين وتعارض أي انتهاك للقانون الدولي”. وتابع “يتعيّن على مجلس الأمن الدولي التحرّك وعلى البلدان الكبرى القيام بدور فاعل”.
وتزايد في الأشهر الأخيرة اعتماد روسيا الإستراتيجي على الصين في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ غزو أوكرانيا.
وارتفع التبادل التجاري بين الصين وروسيا هذا العام إلى مستويات لم يسجلها منذ بدء حرب أوكرانيا مطلع 2022، خصوصا لجهة استيراد بكين النفط من موسكو، ما يوفّر للأخيرة شريان حياة أساسيا في ظل العقوبات الغربية.
واعتمدت الصين رسميا موقفا محايدا إزاء حرب أوكرانيا، لكنها امتنعت عن إدانة الغزو الروسي، ما عرّضها لانتقادات غربية. وشهدت علاقات الصين وروسيا تقاربا في الفترة الأخيرة، ووفرت بكين لموسكو دعما اقتصاديا ودبلوماسيا.
وخلال زيارة قام بها الرئيس الصيني إلى روسيا في مارس، رحّب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ”الإمكانيات والآفاق غير المحدودة” التي يوفّرها التعاون الروسي – الصيني في مواجهة الكتلة الغربية.
وقُبيل زيارته المرتقبة رحّب بوتين، في مقابلة مع القناة الصينية الرسمية، بالعلاقات مع بكين و”الفوائد المشتركة” التي يجنيها البلدان من مبادرة “الحزام والطريق”.