أقرت الصين امس الأربعاء بأن تعافي ثاني أكبر اقتصاد عالمي في مرحلة ما بعد الجائحة سيكون صعباً، لكنها دحضت الانتقادات الغربية بعد سلسلة من المؤشرات الإحصائية المخيبة للآمال.
ونشرت بكين في الأسابيع الماضية أرقاما إحصائية أظهرت معاناة اقتصادها في رحلة التعافي من حقبة ما بعد «كوفيد – 19»، ما دفع الرئيس الأميركي جو بايدن للتحذير من أن هذه المشكلات تجعل من الصين «قنبلة موقوتة».
وأشارت «بلومبرغ» إلى أن مصارف استثمارية عالمية خفضت توقعات نمو الصين خلال 2023 للشهر الثاني على التوالي، على أثر ظهور مجموعة البيانات الاقتصادية المخيبة للآمال.
وجاءت تخفيضات خبراء الاقتصاد بالقطاع الخاص عقب إعلان بنك الشعب الصيني (البنك المركزي في البلاد) عن تقليص أسعار الفائدة. وخفض فريق خبراء «جيه بي مورغان تشيس آند كو» توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي خلال سنة 2023 بأكملها إلى 4.8 في المائة. وفي أوائل مايو (أيار) الماضي، كان المصرف قد توقع نمو الناتج المحلي 6.4 في المائة، وهو واحد من أعلى التقديرات.
وعلى المسار ذاته، يتوقع خبراء اقتصاد «جيه بي مورغان»، حالياً معدل نمو بنسبة 4.2 في المائة للسنة المقبلة، وفق «بلومبرغ».
وفي أحدث المؤشرات الاقتصادية السلبية، تراجعت أسعار المنازل الجديدة في الصين للمرة الأولى هذا العام في يوليو (تموز) الماضي، وذلك بنسبة 0.2 في المائة على أساس شهري، بعد أن كانت مستقرة في يونيو (حزيران). فيما تراجعت الأسعار بنسبة 0.1 في المائة على أساس سنوي.
ولا يزال قطاع العقارات في الصين، الذي كان في يوم من الأيام أحد أعمدة النمو الاقتصادي، يعاني على الرغم من توسيع الدعم المالي للمطورين والحوافز لمشتري المنازل. ومن بين 70 مدينة، شهدت 49 مدينة انخفاضاً في أسعار المنازل الجديدة على أساس شهري في يوليو، ارتفاعاً من 38 مدينة في الشهر السابق… في دليل جديد على ركود الحركة العقارية.
والأربعاء، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ونبين إنه «في أعقاب الانتقال السلس من الوقاية والسيطرة على الوباء، تعافي الصين الاقتصادي هو تطور أشبه بتماوج، وعملية متعرجة ستواجه بلا شك صعوبات ومشكلات».
وأشار إلى أن «عددا من السياسيين ووسائل الإعلام في الغرب يضخّمون المشكلات الدورية في عملية التعافي الاقتصادي للصين ما بعد الجائحة»، مضيفا «لكن في نهاية المطاف، سيثبت حتما أنهم على خطأ».
أتت هذه التصريحات غداة إعلان بكين وقف نشر نسب البطالة المتزايدة في أوساط الشباب، في ظل سلسلة من المؤشرات المخيبة للآمال التي تثير القلق بشأن ثاني اقتصاد في العالم.
وسجلت البطالة لدى الشباب الذين تراوح أعمارهم بين 16 و24 عاما نسبة قياسية بلغت 21,3 في المائة في يونيو الماضي، بينما ارتفعت نسبة البطالة الإجمالية من 5,2 في المائة في يونيو إلى 5,3 في المائة في يوليو، وفق المكتب الوطني للإحصاءات.
وعرفت مبيعات التجزئة، المؤشر الرئيسي لاستهلاك الأسر، في يوليو نموا سنويا بنسبة 2,5 في المائة، وفق مكتب الإحصاءات، أي بانخفاض عن نسبة 3,1 في المائة التي حققتها في يونيو. بينما حقق الإنتاج الصناعي نموّا سنويا نسبته 3,7 في المائة في يوليو، بتراجع عن نسبة 4,4 في المائة التي حققها في الشهر الذي سبقه.
ومع تزايد الأرقام التي تؤشر إلى تباطؤ محتمل في الاقتصاد، دعا كثير من الخبراء إلى خطة تعافٍ واسعة النطاق لتعزيز الدورة الاقتصادية. إلا أن السلطات تبقي إلى الآن على إجراءات محددة الهدف وإعلانات عن دعمها القطاع الخاص، في ظل محدودية الإجراءات الملموسة المتخذة من بكين.
وسعى القادة الصينيون إلى تحفيز الاستهلاك المحلي خلال الأسابيع الماضية. وأصدر مجلس الدولة الشهر الفائت خطة من 20 بندا لتشجيع السكان على زيادة الإنفاق في قطاعات اقتصادية عدة مثل السيارات والسياحة والأدوات المنزلية.
وحذّر المكتب السياسي للحزب الشيوعي في اجتماع عقده أواخر يوليو برئاسة شي جينبينغ، من أن اقتصاد البلاد «يواجه صعوبات وتحديات جديدة». وقال المتحدث وانغ ونبين الأربعاء: «لا نهرب من المشكلات على الإطلاق، لقد اتخذنا إجراءات نشطة لحل المشكلات، والنتائج بدأت بالظهور أو ستظهر».
وكان بايدن قال خلال مناسبة لجمع التبرعات في ولاية يوتا الأسبوع الماضي إن «الصين قنبلة موقوتة في كثير من الحالات»، مشيرا إلى ارتفاع معدلات البطالة وشيخوخة القوى العاملة، وتابع أن «الصين في ورطة».
وحددت الصين هدفا لنمو إجمالي ناتجها المحلي لهذه السنة بنسبة 5 في المائة. وعلى الرغم من أن هذه النسبة هي من الأدنى للبلاد خلال عقود، أقر رئيس الوزراء لي تشيانغ بأن تحقيقها سيكون صعبا… وتعزز المؤشرات هذه الصعوبة، إذ نما اقتصاد الصين بنسبة 0,8 في المائة فقط بين الربعين الأول والثاني لعام 2023.
وفي خطوة غير متوقعة، عمد المصرف المركزي الصيني الثلاثاء إلى خفض معدل الفائدة على تسهيلات الإقراض المتوسطة الأجل، وهي قروض لسنة واحدة للمؤسسات المالية، من 2,65 إلى 2,5 في المائة.
وسجلت الصين في يوليو انكماشا في الأسعار للمرة الأولى منذ أكثر من عامين تحت وطأة استهلاك داخليّ متباطئ. وإن كان تراجع الأسعار يبدو من حيث المبدأ مفيدا للقدرة الشرائية، إلا أنه يشكل في الواقع خطرا على الاقتصاد ككل إذ يحمل المستهلكين على إرجاء مشترياتهم بدل الإنفاق، على أمل الاستفادة من تراجع إضافي في الأسعار.