وقَف الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي على ضفّة الجازمين بزيادة الحدّ الأدنى للأجور وتحرير سعر صرف الدولار للإشتراكات من قبضة سعر الصرف الرسمي الذي لا يزال بقيمة 15 ألف ليرة بهدف زيادة عائداته، وبالتالي رفع التقديمات الإجتماعية للمضمونين التي تهاوت ولم تلتقط أنفاسها بعد.
كل ذلك يأتي فيما المضمونون منكشفون ومكبّلون، بعد هدر ودائعهم المصرفية واضمحلال قيمة رواتبهم ونهاية خدمتهم، فلا يجدون من يغطّي طبابتهم واستشفائهم مع رفع فواتير الإستشفاء الى ما كانت عليه قبل الأزمة المالية وزيادة الأقساط التأمينية لدى الشركات الخاصة.
وبداية تحرّك الضمان جاء في 17/1/2024، عندما أصدر الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي التعميم رقم 181 وقضى بموجبه: «الطلب الى جميع المديريات والمكاتب الإقليمية والمحليّة إحالة المؤسسات التي تتقدّم بتصاريح أجور او تصاريح استخدام او ترك تتضمن أجوراً اقلّ من 20 مليون ليرة لبنانية شهرياً الى مديرية التفتيش والمراقبة، وذلك بعد إجراء هذه المعاملات في المجرى النظامي من دون أي تأخير من شأنه عرقلة عمل وشؤون المؤسسات والعمّال».
وبعد أسبوع، وتحديداَ يوم الجمعة الماضي، أصدر أيضاً مذكّرة قضى بموجبها بتحديد سعر صرف الدولار الذي على أساسه تحتسب إشتراكات المضمونين الذين يتقاضون أجورهم بشكل كلّي أو جزئي بعملة أجنبية بحسب السعر الرسمي الأعلى المعتمد من قبل مصرف لبنان حالياً وهو89500 ليرة لبنانية، وذلك اعتباراً من01/02/2024، كما تُلغى جميع المذكّرات التي تتعارض مع أحكام هذه المذكّرة. وبذلك بات لزاماً قانوناً على كل المؤسسات رفع الأجور المصرّح عنها الى الضمان الإجتماعي الى 20 مليون ليرة.
60 % يتقاضون الحدّ الأدنى
واستناداً الى آراء الإقتصاديين، إن راتب الحد الأدنى يجب ان يكون أقلّه بقيمة نحو 400 دولار اي ما يوازي وفق سعر صرف 89 ألف ليرة نحو 35.600 مليون ليرة لبنانية، علماً أن «نسبة 60% ممن يعمل بالقطاع الخاص يتقاضى الحدّ الأدنى للأجور»، كما أعلن النائب بلال عبد الله في الكلمة التي ألقاها في مجلس النواب خلال جلسة مناقشة موازنة 2024، معتبراً أن «تقاضي نسبة 60% من اللبنانيين الحد الأدنى هو جريمة نظراً الى التداعيات السلبية التي يتركها هذا الأمر على تعويض نهاية الخدمة لهؤلاء الموظفين».
ولكن مع تحديد الضمان الحدّ الأدنى للرواتب والأجور المصرّح عنه لديه بقيمة 20 مليون ليرة، يصبح هذا الحدّ الأدنى إستناداً الى الخبير الإقتصادي د. كمال حمدان بقيمة 225 دولاراً بدلاً من 450 دولاراً في السابق (أو675 ألف ليرة)، مشكّلاً نسبة 50% من الحدّ الأدنى الذي كان يتمّ تقاضيه قبل بدء الأزمة المالية وتهاوي سعر صرف الليرة الوطنية إزاء الدولار الأميركي.
ويعني ذلك إستناداً الى حمدان أن «الراتب بات يحافظ على نسبة 50% من قوته الشرائية. وهذا الأمر يطرح إشكاليات عدة:
– الى أي حدّ ستلتزم الشركات بهذا التعميم في ظلّ عدم وجود رقابة فعّالة؟
– ماذا عن المؤسسات المكتومة والتي لا تقدّم تصاريح عن العمّال التي لديها في الضمان الإجتماعي.
-هناك مؤسسات تصرّح عن العاملين لديها ولكن بأجور غير صحيحة. علماً ان المؤسسات الخاصة دولرت ارباحها ومشترياتها ما يرتّب عليها التقيّد بالتصاريح.
ووفقاً لتلك المعطيات قد تقدم شركات على التصريح برفع الحدّ الأدنى بالليرة اللبنانية الى 20 مليون ليرة إلا أنها لا تسدّد تلك الزيادة الى الموظّف بل تقتطعها فعلياً من راتب الموظف.
الراتب المسجّل بالدولار والأجر المدوّن بالليرة
أوضح رئيس مجلس إدارة الضمان الإجتماعي بالانابة غازي يحيى لـ»نداء الوطن»، أنه «منذ نحو سنة يحتسب سعر صرف الدولار بقيمة 15 ألف ليرة. فربّ العمل الذي كان يسدّد رواتب الموظفين بالدولار، ويصرّح عنها في الضمان، كان يحتسب الراتب بالليرة على اساس سعر صرف بقيمة 15 الف ليرة.
على سبيل المثال، اذا كان موظف يتقاضى أجراً بقيمة 200 دولار أميركي نقداً وتمّ تسجيل راتبه بهذه القيمة بالدولار، يتم احتساب نسبة اشتراك فرع نظام التعويضات العائلية البالغ 10% أي ما قيمته 20 دولاراً، على اساس سعر صرف 15 الف ليرة، وبذلك تكون نسبة إشتراك الضمان 300 ألف ليرة.
بينما إذا تمّ تسجيل راتب موظف بالضمان بقيمة 200 دولار شهرياً على أساس أنه يتقاضاها بالليرة اللبنانية، أي ما يعادل 18 مليون ليرة (وفق سعر صرف 89500 ليرة) واشتراكه بالضمان بنسبة 10%، يسدّد رسم اشتراك بقيمة 1.800 مليون ليرة. وبذلك فإن التصريح عن الراتب بالدولار هو أوفر باعتبار أن نسبة إشتراك الـ 10% تصبح 2%، وهذا الأمر أدى الى التلاعب بتسديد الضريبة.
لكل تلك الأسباب، تمّ رفع سعر صرف الدولار المحتسب بالضمان الى 89500 ليرة، هكذا يتساوى الموظّف المسجّل راتبه بالدولار مع الموظّف المسجّل راتبه بالليرة اللبنانية».
وكشف يحيى أن «مرسوماً سيصدر قريباً عن مجلس الوزراء يرفع السقف أو الحد الأقصى للكسب الخاضع لاشتراكات فرع ضمان المرض والأمومة البالغ حالياً 18 مليون ليرة في الشهر، الى 45 مليون ليرة».
وأوضح أن «الموظف يسدد إشتراكات المرض والأمومة ضعف الحد الأدنى للأجور الذي لم يتغير والبالغ 9 ملايين ليرة، فيصبح الإشتراك للراتب على أساس الحد الأقصى للكسب الخاضع لاشتراكات المرض والأمومة البالغ 18 مليون ليرة.
وفي المرسوم الذي سيصدر قريباً، سيصبح سقف الكسب الخاضع للاشتراكات بقيمة 45 مليون ليرة (وهو عبارة عن ضرب الحدّ الأدنى بـ 5 مرات). ووفق تلك المعادلة يحتسب الإشتراك للراتب على أساس 45 مليون ليرة اذا كان الأجر بـ 9 ملايين ليرة أو 18 مليون ليرة او 20 مليون ليرة… وحتى لو كان الراتب بقيمة 100 مليون ليرة يسدّد الإشتراك على أساس 45 مليون ليرة.
كان ذلك بالنسبة الى اشتراك الراتب، أما بالنسبة الى تسجيل الراتب، أكان بالليرة اللبنانية أو بالدولار، فبات يحتسب بالسعر الحقيقي (89500 ليرة) وليس بالسعر الوهمي على اساس 15 ألف ليرة للدولار، على اعتبار أنه لا يجوز التمييز بين مضمونَين.
وتكمن أهمية التدابير التي اتخذها الصندوق الوطني للضمان كما كشف يحيى أنها «ستثمر زيادة تقديمات الصندوق الدوائية بنسبة تفوق الـ50% وسيتمّ تحديد مبالغ مقطوعة في التسعيرة الإستشفائية، علماً أن تغطية غسيل الكلى والتي تبلغ نسبتها 100%، ستستمرّ على حالها. وسيعلن عن رفع قيمة تعرفات الضمان بشكل مفصّل يوم الخميس بعد الجلسة التي سيعقدها مجلس إدارة الـ»صندوق».
الرسوم والإشتراكات المترتبة
يقول خبير المحاسبة المجاز جمال ابراهيم الزغبي عن الرسوم المترتبة على ربّ العمل جراء إجراءي رفع دولار الضمان من 15 ألف ليرة الى 89500 ليرة وزيادة التصريح عن الحدّ الأدنى للأجور المعتمد من قبل الضمان الى 20 مليون ليرة: اذا كان راتب الموظف المصرّح عنه الى الضمان بقيمة 20 مليون ليرة يترتّب على الموظف تسديد إشتراك ضمان بنسبة 3 في المئة وذلك لفرع المرض و الأمومة ولحد أقصى 18 مليون ليرة وضريبة على الرواتب وذلك وفقاً لموازنة 2024 والتي أقرت في مجلس النواب. وبالتالي عند احتساب مستحقات الموظف نهاية الشهر، يتم حسم اشتراك الضمان الذي يتحمله وكذلك تحسم منه ضريبة الرواتب على أن يقوم ربّ العمل بتسديدها للجهات المعنية».
حصّة ربّ العمل
بدوره، يتحمل رب العمل نسبة 22,5 في المئة من راتب الموظف كاشتراكات للضمان وهي موزّعة كالتالي:
– نسبة 8 بالمئة لاشتراكات فرع المرض والأمومة وذلك على راتب الموظف ولغاية 18 مليون ليرة ( مهما زاد عن ذلك راتب الموظف)، وبالتالي يتحمّل كحد أقصى في هذا الفرع مبلغ 540 الف ليرة شهريا كحد اقصى.
– نسبة 8.5 في المئة لاشتراكات فرع نهاية الخدمة مهما بلغ راتب الموظف، وبالتالي كلما ارتفع راتب الموظف كلما زادت الاشتراكات ولا يوجد حد أقصى لهذا الفرع.
– نسبة 6 في المئة لاشتراكات فرع التعويضات العائلية وذلك لحد أقصى 12 مليون ليرة من راتب الموظف وبالتالي كل مبلغ فوق الـ 12 مليوناً لا يخضع لاشتراكات هذا الفرع.
وبذلك تصبح اشتراكات ربّ العمل المترتبة: نسبة 8 % (لغاية 18 مليون ليرة) + 8.5 % (من دون سقف) + 6 مليون ليرة لغاية 12 مليون ليرة. هذا ما يتحمله رب العمل عن الموظف وذلك ضمن السقوف الموضوعة حالياً ما لم يطرأ أي تعديلات للسقوف لاحقاً.
المترتبات المتوجب تسديدها
إستناداً الى خبير المحاسبة جمال ابراهيم الزغبي حول الكلفة التي تترتّب على الموظف ورب العمل. فلنأخذ راتب الـ20 مليون ليرة المصرّح عنه على اساس أنه يتمّ تقاضيه بالليرة:
– لراتب الـ20 مليون ليرة يترتّب مبلغ صافٍ بقيمة 31,160 مليون ليرة (على أن يسدد مبلغ الحسومات للجهات المعنية ) يتوزّع كالتالي: إشتراكات محسومة بقيمة 540 ألف ليرة. لا يستحق عليها ضريبة رواتب، باعتبار أن التنزيل الشخصي المسموح به يفوق راتبه.
– إجمالي حسومات على الموظف بقيمة 540 ألف ليرة.
– نقل بقيمة 11,700 مليون ليرة ( 450 الف يومياً ) أي ما مجموعه مع الراتب 31,160 مليون ليرة.
– أما إجمالي الإشتراكات للضمان على الشركة الخاصة فتبلغ 3,860 مليون ليرة تتوزّع كالتالي:
– إشتراكات فرع المرض والأمومة 1,440 مليون ليرة.
– إشتراكات فرع نهاية الخدمة: 1,700 مليون ليرة.
– إشتراكات فرع التعويضات العائلية 720 ألف ليرة.
المترتبات على الراتب
المصرّح عنه بالدولار
أما اذا كان الراتب بالدولار الأميركي كأن يكون بقيمة 450 دولاراً على سبيل المثال، فاحتسبه الزغبي على سعر صرف بقيمة 90 ألف ليرة تفادياً للفواصل وكي يكون الرقم واضحاً، فإذا كان الموظف يتقاضى راتباً بقيمة 450 دولاراً أي ما يعادل بالليرة (وفق سعر صرف 90 ألف ليرة ) ما قيمته 40,500 مليون ليرة يترتب على ربّ العمل تسديد الضريبة وكذلك الاشتراكات المستحقة على الموظف، فيقتطعها من الموظف مباشرة ويسدد مبلغاً صافياً للموظف بقيمة 51,600 مليون ليرة، تتوزع عليه كما يلي:
ضريبة محسومة: 60 ألف ليرة.
إشتراكات محسومة 540 ألف ليرة.
إجمالي الحسومات على الموظف 600 ألف ليرة والتي يسددها رب العمل للجهات المعنية ( وزارة مالية وضمان )
ونقل 11,700 مليون ليرة.
أما قيمة إجمالي الإشتراكات على الشركة فتبلغ 5,6 ملايين ليرة توزّع كما يلي:
– إشتراكات فرع المرض والأمومة: 1,440 مليون ليرة.
– إشتراكات فرع نهاية الخدمة: 3,44 ملايين ليرة.
-إشتراكات فرع التعويضات العائلية: 720 الف ليرة.