تراجع الطلب على استهلاك الطاقة في لبنان بنسبة 47% خلال سنوات الأزمة الاقتصادية. ويقدّر المركز اللبناني لحفظ الطاقة حاجات لبنان من الكهرباء اليوم بـ 1700 ميغاواط/ ساعة، بعدما كانت تقديرات مؤسسة كهرباء لبنان، قبل عام 2019، تشير إلى 3200 ميغاواط/ساعة خلال ساعات الذروة.
وبحسب “الأخبار”، لتراجع الطلب على استهلاك الطاقة في لبنان أسباب كثيرة، لا تنحصر فقط في «ارتفاع فاتورة الكهرباء، سواء المنتجة من الدولة أو عبر مولّدات الأحياء». فقد ساهم دخول الطاقة الشمسية بأكثر من 1000 ميغاواط/ ساعة في انخفاض الطلب على الكهرباء عبر كل من الشبكة الرّسمية والمولدات.
«كانت مساهمة الطاقة الشّمسية في إنتاج الكهرباء عام 2010 صفراً»، وفقاً لمدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة بيار خوري، قبل أن «نشهد نمواً في قطاع الطاقة الشمسية يُقدر بـ140% سنوياً خلال السّنوات العشر الماضية». ففي نهاية عام 2020، كانت قدرة الطاقة الشمسية المركّبة تصل إلى 93 ميغاواط. بعد عامين، آخر 2022، ارتفع الإنتاج إلى 870 ميغاواط، وفي الأشهر السّتة الأولى من السنة الجارية، دخلت 663 ميغاواط إضافية على الشّبكة. ويشير خوري إلى «أنّ 70% من أنظمة الطاقة الشّمسية تعتمد البطاريات من خارج الشبكة. والنسبة الباقية، إما موصولة على كهرباء لبنان، أو على المولدات كما هي الحال في المصانع».
إذاً، «حاجة لبنان من الكهرباء في انخفاض بشكل عام، ورقم 3200 ميغاواط/ ساعة ليس دقيقاً في الأساس، إذ كان القياس يتمّ دائماً خلال فترات التقنين التي تؤدي إلى استهلاك إضافي بعد عودة الكهرباء»، بحسب خوري، مشيراً إلى أنّ أفضل طريقة لقياس الطلب على الطاقة هي «الفاتورة النفطية، التي تراجعت بنسبة تراوح بين 35% و40% بين عامي 2019 و2022». ويصف ما يجري اليوم من تخفيف لاستهلاك الكهرباء بـ«القمع الطاقوي»، ويعيده إلى «عدم قدرة المستهلك على دفع ثمن الكهرباء العالي، وغلاء أسعار الوقود، ومشاريع الطاقة الشمسية».
مع هذا الشكل من الاستهلاك، يرى خوري «إمكانيةً للوصول إلى 24 ساعة كهرباء عبر تشغيل معامل الإنتاج الموجودة حالياً فقط». غير أنّ التراجع في استهلاك الكهرباء «قد يتلاشى بشكل جزئي مع تحسن الرواتب، وعودة القدرة الشرائية للمواطن، ونمو الناتج المحلي. إلا أن مشاريع الطاقة الشمسية ستبقى لأنّ عمرها طويل، وكذلك ترشيد المواطنين للاستهلاك».
على الأرض، لا يخفى هذا التراجع على أحد. ففي دراسة أجرتها بلدية النبطية على حوالي 5000 مشترك، تبيّن «تراجع الاستهلاك الشهري للمنازل من 250 كيلوواط/ ساعة إلى نحو 150 كيلوواط/ ساعة». وترافق انخفاض الاستهلاك مع نمو كبير في استخدام الطاقة الشمسية في المدينة على المستويين الخاص والعام. فقد أنشأت البلدية محطة طاقة شمسية صغيرة لتغذية حوالي 60 مشتركاً بالكهرباء، و«استغنينا عن 6 مولدات من 10»، يقول مسؤول ملف الطاقة في البلدية المهندس مهدي عمار. ويضيف: «تشغل البلدية 6000 اشتراك كهرباء بـ4 مولدات فقط، بقدرة 500 ك.ف.أ لكلّ مولد»، ما أدّى إلى تراجع استهلاك البلدية الشهري من المحروقات من 700 ألف ليتر إلى 300 ألف. وهي تعمل الآن على إنشاء محطات طاقة شمسية أخرى، لكنها تواجه مشكلة توافر المساحات الفارغة.
أمّا في بيروت، حيث الطاقة الشّمسية غير متاحة للجميع بسبب ضيق المساحات، فقد أدّت الأزمة الاقتصادية إلى تغيّر في السلوك الاستهلاكي للسكان. «سخان المياه الكهربائي استُبدل بآخر على الغاز، والمكيّف بالمروحة، والبراد يُفصل عن الكهرباء» يقول محمد، أحد سكان الضاحية الجنوبية. ويشير عدد من سكان المنطقة التقتهم «الأخبار» إلى «توافر الكهرباء 24/24 سواء من خلال مولدات الأحياء، أو ساعات كهرباء لبنان القليلة، لكنّ الفاتورة المدولرة بالكامل، والتي لا تراعي السّعر الرّسمي لوزارة الطاقة، تدفعهم إلى التقشف في الاستهلاك»، إذ يبلغ سعر الكيلوواط في بعض أحياء الضاحية 60 سنتاً، في حين أنّ التسعيرة الرسمية تساوي 33 سنتاً، وتُدفع بالليرة.
التراجع في الاستهلاك يؤكّده أيضاً صاحب أحد مولدات الأحياء الذي يوزع الكهرباء لـ 300 مشترك، ويتقاضى الاشتراك بالدولار حصراً. ويشير إلى «تراجع التحصيل الشهري من 24 ألف دولار، إلى أقل من 15 ألفاً». ويعزو ذلك إلى «انخفاض الاستهلاك الشّهري من الكهرباء، فالعدّادات لا ترتفع فوق الـ100 كيلوواط»، الأمر الذي دفعه إلى «الاستغناء عن مولد واحد من ثلاثة». ومن التصرفات اليومية للسّكان لتخفيف فاتورة الكهرباء، «فصل القواطع الكهربائية نهاراً، ولصقها كي لا يشغّلها أحد». سابقاً، «كان الناس يستخدمون الأجهزة الكهربائية التي تستهلك الطاقة من دون تفكير بقيمة الفاتورة الشهرية التي لم تكن تتجاوز الـ200 ألف ليرة في أحسن الأحوال قبل الأزمة»، يقول صاحب المولّد. أمّا اليوم، فـ«كلّ شيء محسوب على الميزان. الناس يستغنون عن التكييف صيفاً والتدفئة شتاءً بغية التوفير في قيمة العدّاد الذي ما إن يصل الصرف عليه إلى 100 كيلوواط حتى يرتجف الزبون»!