تواجه حكومات العالم عودة مأزق ارتفاع تكاليف إمدادات القمح بعدما بلغت الأسعار أعلى مستوى لها في خمسة أشهر، بعد تعليق روسيا مشاركتها في اتفاقية نقل الحبوب من البحر الأسود.
وواصل القمح ارتفاعه مقتنصا أعلى مستوى منذ فبراير الماضي بعدما هاجمت روسيا ميناء مطلا على نهر الدانوب في أوكرانيا، مما فاقم العراقيل أمام وصول الحبوب الأوكرانية إلى الأسواق العالمية عبر ذلك الطريق الحيوي للتصدير.
ويشعر التجار بالقلق من تقلص الإمدادات بعد انهيار اتفاق الحبوب في البحر الأسود، الأسبوع الماضي، وسلسلة الهجمات على البنية التحتية للموانئ الأوكرانية.
وضرب هجوم باستخدام طائرة مسيّرة ميناء ريني المطل على الدانوب، الاثنين الماضي، مما أدّى إلى تدمير صومعة للحبوب بعد أسبوع من إنهاء موسكو صفقة الحبوب التي سمحت لأوكرانيا بشحن محاصيلها منذ صيف العام الماضي.
وقفزت العقود المستقبلية للقمح بنسبة 2.6 في المئة في بورصة شيكاغو إلى 7.77 دولار للبوشل، وهو أعلى مستوى منذ الحادي والعشرين من فبراير الماضي.
كما قفزت العقود المستقبلية مقتربة من أعلى سعر للتداول في البورصة خلال اليوم السابق. وتقدمت عقود الذرة تسليم ديسمبر نحو 0.7 في المئة.
وقال مايكل ماغدوفيتز، كبير محللي السلع في مجموعة رابوبانك، لوكالة بلومبرغ إن “الضربة الحربية على نهر الدانوب لها تأثير ضخم”، ومن المرجح أن “يتأثر القمح أكثر بأي توقف في الطاقة التصديرية”، تليه الذرة.
وأوضح أنه ربما لا يزال من الممكن نقل الزيوت النباتية بالشاحنات والقطارات، لكنها أقل فاعلية من حيث التكلفة بالنسبة إلى الحبوب التي تُصدَّر بهذه الطريقة.
ويعدّ ميناء ريني واحدا من أكبر الموانئ النهرية لتصدير الحبوب في أوكرانيا، إذ يطلّ على نهر الدانوب عند الحدود مع رومانيا. وكان التجار الأوكرانيون يوسّعون طاقتهم التصديرية هناك بعد الحصار البحري الروسي.
ورغم أنه من غير الواضح إلى أي مدى ستؤثّر الهجمات على الصادرات التي تخرج من ريني، فإنها تزيد المخاطر التشغيلية. كما أنها ستؤثر على الإمدادات العالمية.
وتوقعت وكالة بلومبرغ أن تدفع موجة الجفاف الشديد الذي تشهده العديد من البلدان إلى استيراد شحنات أكبر من الحبوب وفي مقدمتها القمح، من أجل تغطية احتياجاتها
من المادة، في ظل تذبذب مستويات الإنتاج.
وتسببت ندرة الأمطار في تدمير محاصيل القمح في شمال أفريقيا، على سبيل المثال، الأمر الذي ينذر بارتفاع واردات المنطقة من هذه السلعة الأساسية إلى أعلى مستوى على الإطلاق.
وتتوقع منظمة الأغذية والزراعة “فاو” أن يبلغ إنتاج القمح العالمي خلال هذا العام نحو 785 مليون طن، أي أقل بقليل من مستويات 2022، ومع ذلك فهو يمثل ثاني أكبر إنتاج على الإطلاق.
وتعد روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي المحاصيل الزراعية في العالم، وهما لاعبان رئيسيان في أسواق القمح والشعير والذرة وزيوت اللفت ودوار الشمس. وتهيمن روسيا أيضا على سوق الأسمدة.
وأعادت الحرب في أوكرانيا وهي من بين أكبر مصدري الحبوب في العالم، خلط الأوراق، فقد خسرت البلاد ربع أراضيها الزراعية، مع تراجع الإنتاج بنسبة 40 في المئة خلال العام الماضي.
ويفاقم استمرار توتر الأوضاع بين أكبر موردين للحبوب في العالم من حالة عدم اليقين في الأسواق خلال ما تبقى من 2023، في ظل احتمال عودة الأسعار إلى الارتفاع مجددا وعدم مجازفة المشترين لزيادة الشحنات.
وأحكمت روسيا سيطرتها على إمدادات القمح العالمية بعد غزوها أوكرانيا، معززة بذلك دور الكرملين في إمدادات الغذاء العالمية للحصول على الدعم السياسي والعملة الصعبة.
وفي ظل بدء حصاد المحصول الوفير من الأراضي الخصبة، مثل منطقة شمال القوقاز، ستكون روسيا مصدرا لشحنة واحدة كل 5 شحنات من صادرات القمح في الموسم الذي يبدأ مطلع هذا الشهر، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.
وعلى النقيض ستنخفض حصة أوكرانيا عن مستوياتها قبل الغزو بمقدار النصف لتقارب 5 في المئة، حيث تكبد الإنتاج أضرارا طويلة الأجل بسبب حقول الألغام وتعطل سلاسل الإمداد والتوريد.