تتطلّع الآمال عشية انطلاق عملية التنقيب في البئر الاستكشافية الأولى في حقل “قانا” في البلوك 9 الى خبر مفرح، يُبشّر به لبنان بعد 60 أو 70 يوماً من بدء عملية الحفر، التي تنطلق بعد أيام قليلة إثر وصول منصة الحفر “ترانس أوشن بارنتس” الى المياه اللبنانية الجنوبية الأسبوع الماضي، على بُعد نحو 120 كلم من بيروت.
وأشاعت الجولة التفقدية لمواكبة انطلاق العمل اللوجيستي التي قام بها أمس على متن طوّافة، كلّ من رئيسي مجلس النوّاب نبيه برّي وحكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عشية انطلاق الأعمال في حقل “قانا”، والتي شارك فيها وزيرا الطاقة وليد فيّاض والأشغال العامّة والنقل علي حمية والمدير العام لرئاسة الجمهورية أنطوان شقير، ورئيس “هيئة ادارة قطاع البترول” وسام الذهبي ووفد من شركة “توتال” الفرنسية، تفاؤلاً كبيراً في نفوس اللبنانيين، والشركات المشغّلة (“توتال”، “إيني” و”قطر للطاقة”)، والمراقبين الدوليين الذين ينتظرون بصبر نافد بدء عملية الحفر والاستكشاف في البلوك 9.
وتقول مصادر مواكبة لعملية بدء الحفر انّ الأعمال اللوجيستية تنفّذ على قدم وساق من أجل انطلاق العمل الفعلي خلال أيام معدودة. وستعمل الطوّافة في مطار بيروت الدولي على نقل الطاقم الفني المؤلّف من 140 شخصاً الى موقع المنصّة الراسية قبالة البلوك 9 في المياه اللبنانية. ومع إطلاق “توتال” أنشطة الاستكشاف، يكون لبنان قد بدأ خطوته المشجّعة نحو إمكان استكشاف الغاز والنفط في حقل “قانا” بكميات تجارية والإنتاج في هذه المنطقة.
ومع وضع الفريق التنفيذي لمساته اللوجيستية الأخيرة قبل انطلاق العمل الفعلي لعميلة الحفر، تؤكّد المصادر أنّ الجميع مطمئن حالياً، لا سيما لبنان كونه تمكّن أخيراً من تحرير بلوكاته النفطية من خلال توقيعه على “إتفاقية ترسيم الحدود البحرية” مع “الإسرائيلي”، بوساطة أميركية. واليوم بات باستطاعته تلزيم أعمال التنقيب والاستكشاف والتطوير في المياه اللبنانية الجنوبية من دون التطبيع مع العدو، وإن كان البعض يعتبر الاتفاقية نوعاً من التطبيع، غير أنها ليست كذلك مطلقاً.
فالضمانة اليوم للبنان، وفق المصادر نفسها، في حال وجود حقول نفطية مشتركة، هي اتفاقية الترسيم. وكلّ ما يمكن أن يحصل خلال عملية التنقيب في هذا السياق، فإنّ الولايات المتحدة هي التي ستكون صلة الوصل و”كونسورتيوم” الشركات، الأمر الذي يجعل لبنان محميا من أي “تطبيع مقنّع” مع “الإسرائيلي” جرّاء الاتفاقية. كما أنّ الآلية المتبعة، بحسب الخطة الموضوعة، للتعاطي في مسألة استثمار ثرواتنا النفطية جيّدة، ولم تتعرّض الى أي تأخير بسبب “الابتزاز الإسرائيلي” المحتمل حصوله في أي وقت.
أمّا الضمانة الأخرى التي تؤدي دوراً مهمّاً أيضاً فهي، على ما أوضحت المصادر، أنّ لبنان حاصل على “كفالة الشركة الأمّ”. وهذا يعني أنّه في حال حصول تسرّب نفطي ما خلال عملية التنقيب، أو أي خطأ أو حادث، لا سمح الله، يتسبّب بدفع كلفة عالية لإرجاع الوضع الى ما كان عليه، أو الاستجابة أو تخفيف أضرار هذا الأمر الطارىء، فإنّ “توتال” (وشركاءها) هي التي تتكفّل به وليس لبنان، وذلك بحسب موجبات العقد الموقّع مع تحالف الشركات. الأمر الذي يتيح للبنان ملاحقة ليس فقط “توتال” المسجّلة في لبنان، بل في خارجه أيضاً، أي الى أصولها الممتدّة الى الحدّ الأقصى في العالم، بهدف إصلاح الوضع ومراقبة البئر ومنع الأضرار البيئية. وهذا يعطي ضمانة مهمّة للبنان، إذ لا قدرة لديه لدفع كلفة مرتفعة قد تصل الى ملايين الدولارات لإصلاح خطأ أو طارىء ما.
وأشارت المصادر نفسها الى أنّ العدو بدأ بالإنتاج من حقل “كاريش” في 31 تشرين الأول الماضي، أي بعد 4 أيّام من توقيع اتفاقية الترسيم البحري. ويحتاج الى حفر آبار إضافية في شمال كاريش لوصله مع الحقل الأساسي. وفي لبنان، تُشكّل المسوحات الزلزالية الدليل الحسّي الوحيد الذي على أساسه تتمّ برمجة مكان الحفر، بعد دراسات طويلة معمّقة أدّت الى تحديد موقع الحفر المرتقب في حقل “قانا” في البلوك 9. علماً بأنّ هذا الأخير يبعد من 10 الى 15 كلم عن “كاريش” الذي تنتج منه “إسرائيل” الغاز.
وينطلق التفاؤل بوجود اكتشافات محتملة في البلوك 9، بحسب رأي المصادر، جرّاء التعويل على رأي الخبراء والاختصاصيين في علم الجيولوجيا والجيوفيزياء، الذين لهم رصيد في اكتشاف حقول كبرى في منطقة البحر الأبيض المتوسط والعالم. غير أنّه لا يمكن تأكيد أي شيء حتى الآن، قبل انطلاق عملية الحفر، وصدور نتيجة أعمال التنقيب والاستكشاف عن شركة “توتال”.
ودعت المصادر في المقابل، الى إعادة النظر في آبار النفط والغاز البريّة الموجودة في لبنان، والتي يعود حفر البئر الأولى منها الى العام 1947 والسابعة الى العام 1967، والتي عرفت ركوداً بعد ذلك، وتوقّفت طوال الأعوام الماضية، باستثناء عملية مسح زلزالي يتيم ومسح جوّي بين عامي 2013 و2014. فالحفر في البرّ أسهل من الحفر في البحر، كما أنّ كلفته أقلّ بكثير. فالبئر البرّية كلفته 10 مليون دولار فقط، فيما تصل كلفة البئر في البحر الى 100 مليون دولار. لهذا، إذا جرت اليوم إعادة النظر في الآبار البريّة فسيكون هناك وجهة نظر أفضل من السابق بالنسبة لتحديد المواقع. لكنه مسار بطيء بسبب الضغوطات وقلّة الاهتمام من المسؤولين في الدولة.