لم تهدأ التعليقات الغاضبة على واقع التواصل الإجتماعي ومجموعات «الواتساب» على جنون الدولار وإرتفاع الأسعار وكأنّها عيدية المسؤولين في الميلاد ورأس السنة إلى اللبنانيين لتنغّص عليهم أعيادهم بعدما سرقت في السنوات الماضية أفراحهم وحتى أحلامهم بعيش كريم.
اللافت في التعليقات أنّها لم تترجم بأيّ تحرك إحتجاجي بخلاف السابق، فبقيت ساحات الثورة عند تقاطع ايليا والنجمة والشهداء تنتظر من يرفع صوت الإعتراض. واللافت فيها أيضاً أنّ اليأس راح يتسلّل الى الناشطين في «حراك صيدا»، وقد أثبتت التجارب أنّ قلّة يتحرّكون بينما الأكثرية صامتة تنتظر التغيير من دون المشاركة، فيما الأزمة المعيشية والحياتية تتّجه نحو الأسوأ ولم تبق للفقير مجالاً للعيش الكريم رغم كل تدابير التقشّف.
ويقول الناشط في حراك 17 تشرين إسماعيل حفوضة لـ»نداء الوطن»: «لا يمكن القول إنّ اليأس سبب عدم إندفاع الناس للنزول إلى الشارع مجدّداً، فالظروف السياسية والاجتماعية ضاغطة، وقد أثبتت التجربة السابقة أنّهم كلّما نزلوا إلى الشارع للمطالبة بحقوقهم وجدوا سدّاً منيعاً في تحقيق أحلامهم. لا نلوم الناس، ولكن الطبقة الحاكمة التي أوصلت البلد إلى هذا الدرك».
أمّا الناشط في حراك «صيدا الشعبي» محمد نجم فيقول لـ»نداء الوطن»: «إنّ مجموعتنا التي كانت تتفاعل سريعاً وتنزل إلى الشارع للإعتراض لم تعد تفعل ذلك في الفترة الاخيرة، بعدما لاحظنا أن تجاوب الناس لم يعد مقبولاً لأسباب كثيرة، باتت التحركات تبدو وكأنّ قلّة متضرّرة وكثرة مرتاحة، لذلك ننتظر ظروفاً مؤاتية لتنشيط الحراك مجدّداً، ونحن على قناعة أنّ تردّي الوضع سيؤدي إلى إنفجار إجتماعي وشيك وإنتفاضة جديدة تحقّق أهدافها».
يافطة «فخّار يكسّر بعضو»، التي رفعها أحد أصحاب المحال التجارية في سوق الكندرجية في صيدا القديمة دعاية لبيع أباريق الفخار، كأنّها تجسّد واقع الحال المرير، تقول «أم حسين» الريش لـ»نداء الوطن»، وهي تتأمّلها: «للوهلة الاولى إعتقدت أنّها كذلك، قبل أن أستدرك أباريق الفخار، وأدرك أنهّا دعاية ولكنّها مزدوجة، الناس لم تعد تفرق عندها شيء، وكلّ واحد يريد ان ينفد بريشو».
«ريشنا منتوف» يردّ محمود ماضي، وهو يتنقّل بين صيدلية وأخرى بحثاً عن حليب لطفله الرضيع، ويقول: «إرتفع سعر علبة الحليب 900 غرام 3 مرات خلال شهر واحد، كنا نجدها بتبويس اللحى، اليوم أجول مثل الأهبل والجواب كلمة واحدة «يا ريت في عنّا»، بالله عليكم ماذا أفعل أنا وغيري، ماذا نرضّع أطفالنا؟ فليذهب المسؤولون الى الجحيم، الا من رحم ربي».
وسط مدينة صيدا كانت دورية لأمن الدولة تطارد صغار تجّار الدولار في السوق السوداء في محاولة لضبطه وعدم تفلّته، فيما يحتشد الموظّفون امام ماكينات الصرّاف الآلي، بعدما أقفلت المصارف أبوابها الحديدية وحصّنت نفسها، لقبض رواتبهم قبل نهاية العام، علَّهم يدخلون بهجة الأعياد إلى أولادهم.
«أمّا مخازن بيع المواد الغذائية فتسوّد عيشتنا، يرفعون الأسعار من دون حسيب ورقيب»، تقول «أمّ عفيف» الظريف متسائلة: «أين أنتم من الشعب المعتّر، المسؤولون يعيشون بالعملة الخضراء (الدولار)، ولا يدركون حجم المعاناة، أما نحن الطبقة المسحوقة فلا نعرف الإ الليرة اللبنانية وقد باتت مجرّد أرقام بلا قيمة».
وتقول نوال شعيا: «نحن في أيام مجيدة، فهل جنون الدولار والغلاء عيدية المسؤولين لنا؟ وهل كتب علينا أن نعيش الحزن وأن لا نفرح أو نُزّين شجرة، أين الكهرباء وأصحاب المولدات لا يرحمون؟ عن أي أعياد يتحدّث الفاسدون؟ بات الدولار مرتفعاً أكثر من شجرة الميلاد، كلّ شيء بالدولار».