لم تنفع كل الوسائل البديلة لتحلّ مكان التيار الرسمي للكهرباء، أو «كهرباء الدولة». لا المحطات الشمسية المتناثرة على أسطح المباني، ولا المولدات الكهربائية في الأحياء استطاعت تقديم تيار كهربائي رخيص يحتمل سحب كميات كبيرة من الطاقة لاستبدال أربع ساعات من الكهرباء. فمع دخول انقطاع التيار الرسمي للكهرباء يومه الخامس عشر على التوالي، ارتفعت معاناة الناس في عدد كبير من أحياء منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت. ورغم عدم انتظام الكهرباء في آخر سنتين، واعتماد الناس على المولدات الخاصة أو «الاشتراكات»، لتأمين الطاقة، إلا أنّ التيار الرسمي للكهرباء لا زال المصدر الرئيسي للطاقة الرخيصة لعدد غير قليل من المساكن والمعامل أو المشاغل التي تستهلك كميات كبيرة من الكهرباء، فضلاً عن اعتماد الأبنية على «كهرباء الدولة» في أقسامها المشتركة لتشغيل المصاعد ومضخات المياه الأساسية لإيصال الماء إلى المنازل.
للوهلة الأولى، لا يصدق أحد أنّ الناس لا تزال تعتمد على «كهرباء الدولة» في يومياتها. ولكن، الخياطة هادية تؤكّد اعتمادها على «ساعات الدولة القليلة لتشغيل الماكينات، والساعات الأربع اليومية كانت كافية لتسيير الأعمال، وإنجاز ما يطلبه الزبائن». أما اليوم، فتشير إلى تراكم الملابس في محلها من دون التمكن من إصلاحها، ما يهدّد بخسارة عدد من الزبائن. ورغم ذلك «أرباحي الشهرية لا تكفي لمدّ خطّ اشتراك، إذ لا تتجاوز الـ 400 دولار كحد أقصى، وستستهلك فاتورة الاشتراك الشهرية أكثر من نصف الأرباح». لتعمل كل الماكينات في المحل، بما فيها آلة الكي، «أنا بحاجة إلى خط اشتراك يتحمل 30 أمبيراً من السحب، ما يعني دفع 200 دولار أقله شهرياً»، تقول هادية، لذا، «سأنتظر عودة التيار الرسمي».
حال هادية سهلة مقارنةً مع حال علي جابر صاحب أحد مطابع الكرتون والورق في الضاحية. «تضاعفت فاتورة المازوت 4 مرات في شهر آب، واستهلكت وقوداً بقيمة 5 آلاف دولار لتشغيل مولد المطبعة الخاص»، يقول جابر. ويبرر عدم إقفال المطبعة بـ«ضرورة تلبية طلبات الزبائن، وإلا سأضطر إلى دفع بنود جزائية للاتفاقات مع المشغّلين، فضلاً عن خسارة العقود اللاحقة». وللتخفيف من أثر انقطاع الكهرباء، واستهلاك الوقود، لجأ جابر إلى ضغط ساعات العمل، والتخفيف من دوام العمال الطويل، لأن «تأخير إنجاز الطلبيات أرحم من الإقفال التام».
وأمام العتمة الشاملة، فضّل محمد مرجي صاحب محل لبيع الأجبان والألبان «مد اشتراكَي كهرباء، الأول نهاري والثاني ليلي، بكلفة وصلت إلى 500 دولار شهرياً». مرجي فضّل التضحية بجزء من أرباحه لـ«تمرير الأزمة، ولا سيّما أنّ المحل جديد في المنطقة، والإقفال الآن يعني خسارة الزبائن». ولكن هل كان يعوض تيار الكهرباء الرسمي الاشتراكات؟ «كلا»، يؤكد مرجي، «بس الكحل أحسن من العمى». ويشرح «الأجبان لا تحتمل مرور ساعات عليها من دون تبريد، وساعات التبريد ليلاً التي تؤمنها كهرباء الدولة، عند إقفال المحل، كانت تكفي للحفاظ على صحة المواد الغذائية من يوم إلى آخر، خاصة أنّ المحل يقفل عند ساعات المساء»، يقول.
أما «الوجع الأكبر من انقطاع الكهرباء»، فحلّ على سكان الأبنية حيث جفت خزانات المياه على السطوح. فمع غياب «كهرباء الدولة»، تنقطع المياه وتتوقف المصاعد، إذ تعتمد الأبنية لتأمين الماء المخصّص للخدمة المنزلية على الآبار الجوفية. وتتطلب مضخّات سحب المياه وجود خطوط كهربائية ثلاثية الأطوار (3 phases)، والمولدات لا تؤمّن عادةً هذه الخدمة. وفي حال وافق صاحب المولد على تغذية المبنى بخط ثلاثي الأطوار، «يطلب مبالغ تصل إلى مليوني ليرة عن كلّ ساعة تشغيل»، بحسب خليل مسؤول إحدى لجان الأبنية. ولكن هذا الحل الأفضل، يقول خليل، فالبديل هو الاعتماد على نقليات المياه لتعبئة خزانات المياه. وتصل تكلفة «نقلة المياه إلى مليوني ليرة لكلّ 10 براميل، وتستهلك العائلات الكبيرة خزان مياه كلّ يومين»، يختم خليل.