في ظل اقتصاد تعصف به حالة من عدم اليقين، يبدو أن هناك أمراً واحداً شبه مضمون، وهو أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيترك سعر الفائدة الرئيس من دون تغيير عندما تجتمع لجنته للسياسة النقدية يومي الثلاثاء والأربعاء.
تراهن الأسواق المالية اليوم بغالبية ساحقة (98 في المائة) على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيُبقي على سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية القياسي عند نطاق يتراوح بين 4.25 في المائة و4.5 في المائة، وهو ما كان عليه في يناير (كانون الثاني)، وفقاً لأداة «فيد ووتش» التابعة لمجموعة «سي إم إي غروب» التي تتوقع تحركات أسعار الفائدة استناداً إلى بيانات تداول العقود الآجلة للأموال الفيدرالية.
وسيكون هذا الاجتماع الثاني على التوالي الذي تُبقي فيه اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) على سعر الفائدة دون تغيير، بعدما أبقت على سعر الفائدة دون تغيير في يناير بعد خفض بمقدار نقطة مئوية على مدار اجتماعاتها الثلاثة السابقة. ولا تتوقع الأسواق المالية خفضاً آخر حتى مايو (أيار) أو يونيو (حزيران). في حين تتوقع «بلومبرغ» في استطلاع لها خفضين بدءاً من سبتمبر (أيلول) المقبل.
تصريحات مسؤولي «الفيدرالي» الحذرة
في خطاباتهم الأخيرة، أشار مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي، بمن فيهم رئيس مجلس الإدارة جيروم باول، إلى أنهم يتبعون نهج الانتظار والترقب بشأن أسعار الفائدة نظراً لأن كثيراً من السياسات الاقتصادية لا تزال معلقة. فمن ناحية، يحجم بنك الاحتياطي الفيدرالي عن التصرف حتى يعرف صانعو السياسات مزيداً عن أي من تهديدات الرئيس دونالد ترمب بفرض رسوم جمركية على الدول الأجنبية – وما إذا كانت هذه الرسوم سترفع التضخم أو ستؤدي إلى تراجع الاقتصاد أو كليهما.
في خطاب له في السابع من مارس في شيكاغو، قال باول إن السبب المحتمل لإبقاء أسعار الفائدة ثابتة هو أنه «على الرغم من التقدم المحرز في خفض التضخم على نطاق واسع، فإن القراءات الأخيرة لا تزال أعلى بقليل من هدفنا البالغ 2 في المائة». وأضاف أيضاً: «يُشير كثير من المؤشرات إلى أن سوق العمل قوية ومتوازنة بشكل عام».
كيف وصلنا إلى هنا؟
أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة المؤثر عند أعلى مستوى له منذ عقدين من الزمن لأكثر من عام بعد أن رفعه بحدة في عام 2022 لمواجهة الزيادة الكبيرة في التضخم بعد جائحة «كورونا». تهدف أسعار الفائدة المرتفعة إلى خنق التضخم، وإبطاء الاقتصاد من خلال رفع أسعار الفائدة على جميع أنواع القروض.
وفي أواخر العام الماضي، خفّض محافظو البنوك المركزية سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية بعد أن هدأ التضخم مقترباً من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي المتمثل في معدل سنوي يبلغ 2 في المائة. ولكن جعلت عودة ظهور التضخم العنيد في الأشهر الأخيرة، بالإضافة إلى عدم وضوح السياسات الاقتصادية لترمب، بنك الاحتياطي الفيدرالي متردداً في اتخاذ مزيد من التحركات في الوقت الحالي.
ما التالي؟
في ظل حالة عدم اليقين، قد لا يشير بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الكثير بشأن تحركاته المستقبلية في بيانه الرسمي أو المؤتمر الصحافي الذي سيعقده باول بعد الإعلان عن البيان.
كتب ماثيو لوزيتي، كبير الاقتصاديين الأميركيين في «دويتشه بنك»، في تعليق له: «نتوقع أن يُبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة ثابتة للاجتماع الثاني على التوالي، وبالنظر إلى حالة عدم اليقين الزائدة، فإنه سيقدم توجيهات محدودة حول مسار السياسة المقبلة».
وبالإضافة إلى البيان والمؤتمر الصحافي، سيولي المستثمرون اهتماماً خاصاً لتوقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن التضخم والبطالة ومسار أسعار الفائدة والمقرر نشرها في ختام الاجتماع. من المقرر أن يصدر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي ملخصهم الفصلي للتوقعات الاقتصادية، والذي يضع فيه أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة توقعاتهم للمؤشرات الاقتصادية الرئيسة، وكذلك سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية في الأشهر والسنوات المقبلة.
في ديسمبر (كانون الأول)، توقع صانعو السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي خفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام. ومنذ ذلك الحين، تراجعت معنويات سوق الأسهم المزدهرة، حيث خسرت الأسهم الأميركية 6 تريليونات دولار من قيمتها في الأسابيع الثلاثة الماضية، وذلك بعد أن ضاعف ترمب الرسوم الجمركية على الصين، وصرح بأنه سيفرض رسوماً جمركية بنسبة 25 في المائة على السلع المكسيكية والكندية بدءاً من 2 أبريل (نيسان)، مما استدعى فرض رسوم جمركية انتقامية من الشركاء التجاريين.
ويتوقع الاقتصاديون في «دويتشه بنك» أن يدوّن المسؤولون خفضاً واحداً فقط لسعر الفائدة هذا العام بدلاً من الخفضين اللذين توقعوهما في المرة الأخيرة التي قدمت فيها اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة توقعاتها في ديسمبر.
ركود محتمل
ومن بين الأسئلة الرئيسة المفتوحة أمام بنك الاحتياطي الفيدرالي ما إذا كان الاقتصاد في خطر الوقوع في الركود. فبالإضافة إلى التعريفات الجمركية الذي تثير قلق صانعي السياسات، تراجعت ثقة المستهلكين، وقلّصت الأسر الأميركية من الإنفاق. من ناحية أخرى، حافظت سوق العمل على قوتها، وتباطأ التضخم بأكثر من المتوقع في فبراير (شباط) إلى 2.8 في المائة.
في خضم هذه الرياح المعاكسة، رفع بعض المتنبئين احتمالات حدوث ركود في عام 2025. على سبيل المثال رفع الاقتصاديون في «غولدمان ساكس» احتمالات حدوث ركود في العام المقبل إلى 20 في المائة من 15 في المائة.
ومن شأن الانكماش الاقتصادي أن يضغط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة لتعزيز الاقتصاد، بالنظر إلى تفويض البنك المركزي بالحفاظ على التوظيف الكامل والحفاظ على التضخم.
ومع ذلك، يرى المتنبئون خطراً بأن تؤدي التعريفات الجمركية إلى تأجيج التضخم من خلال رفع أسعار السلع الاستهلاكية، الأمر الذي من شأنه أن يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي في الاتجاه المعاكس، لإبقاء أسعار الفائدة مرتفعة.