أقرّ صناع السياسة في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، الشهر الماضي، بأن الضغوط التضخمية تتراجع وأن سوق العمل في مرحلة تباطؤ. واستجابة لذلك، اختار المسؤولون إبقاء سعر الفائدة الأساسي دون تغيير للمرة الثالثة على التوالي وأشاروا إلى توقعهم خفض المعدلات ثلاث مرات في عام 2024.
وأظهر محضر الاجتماع الأخير للمجلس يومي 12 و13 ديسمبر (كانون الأول)، الصادر يوم الأربعاء، أن مسؤولي المركزي الأميركي على اقتناع متزايد فيما يبدو بأن التضخم ينحسر في ظل تضاؤل «المخاطر الصعودية» وتنامي القلق إزاء الضرر الذي يمكن أن تلحقه السياسة النقدية «المفرطة في التشديد» بالاقتصاد.
وفي توقعاتهم الخاصة لسعر الفائدة، أشار المسؤولون إلى أنه ستكون هناك حاجة لخفض السعر المرجعي بحلول نهاية عام 2024، نظراً إلى «التقدم الواضح» نحو ترويض التضخم. لكنهم شددوا على أهمية البقاء يقظين وإبقاء معدلات الفائدة مرتفعة حتى يتراجع التضخم بوضوح وبشكل مستدام نحو هدفهم البالغ 2 في المائة، بحسب وكالة «أسوشييتد برس».
كما ذكر أن عدداً من المشاركين سلّطوا الضوء على زيادة عدم اليقين بشأن المدة التي يتعين خلالها إبقاء تشديد السياسة النقدية في ظل التقدم المحرز إزاء خفض التضخم. وفي إشارة واضحة إلى التقدم الذي أحرزوه في خفض الضغوط التضخمية، لم يستخدم صانعو السياسة النقدية وللمرة الأولى منذ يونيو (حزيران) 2022 عبارة «مرتفع على نحو غير مقبول» لوصف التضخم.
ولم يشر محضر الاجتماع على نحو يذكر إلى الموعد المحتمل لخفض أسعار الفائدة.
التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة
وعلى الرغم من أن رئيس الفيدرالي جيروم باول أشار، في مؤتمر صحافي بعد الاجتماع، إلى أن المركزي الأميركي قد انتهى على الأرجح من رفع المعدلات، يُظهر المحضر أن مسؤولي الفيدرالي شعروا بأن التوقعات الاقتصادية غير مؤكدة بما يكفي بحيث لا تزال الزيادات الإضافية «ممكنة».
كما أشار باول في مؤتمره الصحافي إلى أن صانعي السياسة في الفيدرالي ناقشوا تخفيضات أسعار الفائدة خلال اجتماعهم، وهي ملاحظة ساعدت في إشعال مسيرة صعود في سوق الأسهم. وعلى الرغم من ذلك، حاول بعض مسؤولي الفيدرالي الآخرين على مدار الأيام القليلة التالية توجيه المستثمرين بعيداً عن توقع أي تخفيضات وشيكة. ولم يذكر محضر يوم الأربعاء أي ذكر صريح لمناقشة تخفيضات الفائدة.
ومع ذلك، قال كبير خبراء الاقتصاد في أميركا الشمالية لدى «كابيتال إيكونوميكس»، بول أشوورث: «لا يوجد شيء في هذا المحضر يثنينا عن اعتقادنا أن الفيدرالي سيبدأ بخفض أسعار الفائدة اعتباراً من مارس (آذار) المقبل».
وفي محضر اجتماعهم، بدا صانعو السياسة متفائلين بشأن آفاق التضخم. وأشاروا إلى نهاية الأعمال المتراكمة في سلسلة التوريد التي تسببت في النقص وارتفاع الأسعار، وانخفاض الإيجارات التي بدأت تتحرك عبر الاقتصاد، وزيادة في الباحثين عن عمل، ما يجعل من الأسهل على الشركات ملء الوظائف الشاغرة دون الحاجة إلى زيادة الأجور بقوة.
وبدأ الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في مارس 2022 لمكافحة عودة غير متوقعة لأسعار المستهلكين التي بدأت قبل عام تقريباً. وقام الفيدرالي منذ ذلك الحين برفع سعر الفائدة الأساسي 11 مرة ليصل إلى أعلى مستوى له في 22 عاماً عند نحو 5.4 في المائة.
وحققت حملة مكافحة التضخم تقدماً مطرداً، مما سمح للفيدرالي بإبقاء سعر الفائدة الأساسي دون تغيير منذ يوليو (تموز). وارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 3.1 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام السابق – انخفاضاً من أعلى مستوى في أربعة عقود بلغ 9.1 في المائة في يونيو (حزيران) 2022.
وكان من المتوقع على نطاق واسع أن تؤدي المعدلات المرتفعة إلى ركود في الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، لكن الاقتصاد وسوق العمل أظهرا مرونة غير متوقعة. ونما الناتج المحلي الإجمالي الأميركي – إجمالي ناتج الاقتصاد من السلع والخدمات – بمعدل سنوي قوي بلغ 4.9 في المائة من يوليو إلى سبتمبر (أيلول) بفضل الإنفاق القوي للمستهلكين واستثمارات الشركات. وفي اجتماعهم الشهر الماضي، أشار بعض مسؤولي الفيدرالي إلى أنه بحلول نهاية عام 2023، يبدو أن الاقتصاد تباطأ.
وأضاف أصحاب العمل الأميركيون 232 ألف وظيفة شهرياً حتى نوفمبر من العام الماضي ومن المتوقع أن يعلن مكتب العمل الأميركي يوم الجمعة أن الاقتصاد أضاف 155 ألف وظيفة الشهر الماضي، وأن معدل البطالة ارتفع قليلاً إلى 3.8 في المائة. وستكون هذه هي المرة الـ23 على التوالي التي تقل عن 4 في المائة، وهي أطول سلسلة مماثلة منذ الستينات.
وذكرت وزارة العمل، الأربعاء، أن فرص العمل انخفضت في نوفمبر إلى أدنى مستوى منذ مارس 2021. ويرى الاحتياطي الفيدرالي أن انخفاض فرص العمل هو وسيلة غير مؤلمة – مقارنة بتسريح العمال – لتقليل الضغط على الشركات لرفع الأجور لجذب العمال والاحتفاظ بهم، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
وكان الجمع بين تباطؤ التضخم والاقتصاد القوي سبباً لرفع الآمال في قدرة الاحتياطي الفيدرالي على هندسة ما يسمى «الهبوط الناعم»، أي إبطاء النشاط الاقتصادي بما يكفي لترويض التضخم دون التسبب بركود.