تصب ترجيحات الخبراء في أن يقفز نمو الأنشطة غير النفطية في الخليج العربي، لكنه يحتاج إلى تركيز أكبر من قبل حكومات المنطقة لزيادة تحفيز القطاع الخاص، وجعله محورا مهما في نمو الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد.
وتبدو دول المنطقة مهتمة كثيرا بتنمية هذا المجال، وهو ما يظهر في سياسات التنويع الاقتصادي، والتي انطلق قطارها بشكل واضح منذ أزمة الطاقة منتصف عام 2015.
ويدعم نشاط الشركات التي تعمل خارج قطاع الطاقة أسواق العمل في المنطقة ويعزز من مستوى المبادلات التجارية مدعومة بالبرامج التي تطرحها الحكومات والموجهة للأعمال وأصحاب المشاريع الذاتية، بما في ذلك الصغيرة والمتوسطة.
ويرى صندوق النقد الدولي أن الأنشطة غير النفطية ستكون المحرك الرئيسي للنمو في دول الخليج العام الحالي وسنوات لاحقة، لكنها لن تعوض بشكل كامل تراجع نمو النفط على المدى المتوسط.
وتوقع الصندوق في تقريره عن آفاق الاقتصاد الإقليمي الذي نشره على هامش اجتماعات الخريف السنوية، التي تحتضنها مراكش المغربية، تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة في 2023.
وقال إن ذلك سيحدث “مع استمرار فجوات الإنتاج في القطاع غير النفطي بما يفرض تحديات أمام توفير فرص عمل وعمليات دمج”.
وبحسب التقرير سيبلغ نمو الاقتصاد الخليجي بشكل عام بواقع 1.5 في المئة مع انخفاض الناتج المحلي الإجمالي للنفط بسبب تخفيضات إنتاج الخام وانخفاض الأسعار. ومن المتوقع أن يتعافى النمو الإجمالي إلى 3.7 في المئة العام المقبل على أن يصل النمو غير النفطي إلى 4.3 في المئة في 2023 وأربعة في المئة في العام المقبل.
والتزمت حكومات دول الخليج الست بتنويع اقتصاداتها بعيدا عن النفط والغاز، لكن مواردها العامة لا تزال حساسة لتحركات أسعار النفط رغم الإصلاحات. ومنذ العام 2016، بدأت حكومات المنطقة اتخاذ خطوات لتعزيز الاقتصاد غير النفطي لمواجهة هبوط أسعار النفط الخام، وفي الوقت ذاته تنويع مصادر الدخل.
ويعمل المسؤولون الخليجيون على ترسيخ مكانة قطاعات الصناعة والسياحة والتجارة الرقمية والنقل واللوجستيات والطاقة المستدامة وتأسيس المشاريع الصغيرة والمتوسطة والناشئة في اقتصادات بلدانهم على نحو يقطع مع الماضي.
وإذا استطاعوا تحقيق أهدافهم فإن ذلك سيسهم في تحسن الإيرادات غير النفطية بموازاة الاستمرار في ترشيد الإنفاق بحيث سيعوض الانخفاض في حجم صادرات النفط، مما يؤدي إلى انخفاض سعر الخام اللازم لتحقيق توازن في موازنات دول الخليج.
وسبق أن أشار معهد التمويل الدولي إلى أن القطاعات الاقتصادية غير النفطية في الخليج ستحافظ على أدائها القوي في العام الجاري، الأمر الذي يحد من تأثير تراجع إنتاج النفط وأسعاره على نمو دول المنطقة.
وتوقع خبراء المؤسسة، ومقرها واشنطن، في تقرير نشرته في مايو الماضي أن يبقى نمو الناتج المحلي غير النفطي لدول المنطقة قويا بين 4 و5 في المئة بدعم من الاستهلاك الخاص والاستثمارات.
وأوضح المعهد أن الاستثمار الأجنبي المباشر المرتفع في الإمارات يحرك بيئة الأعمال النظيفة، في ظل بنية تحتية قوية، وسياسات يمكن التنبؤ بها، وتغييرات هيكلية تهدف إلى تنويع الاقتصاد وخلق قطاع خاص ديناميكي وموسع.
ولفت أيضا إلى أن السعودية حسنت بيئة أعمالها بشكل كبير، مما سيساعدها في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر خلال المرحلة المقبلة مدفوعة بطفرة الإنشاءات والمشاريع وسياسة نقل المقرات.
وحذر مدير إدارة الشرق الأوسط ووسط آسيا في الصندوق جهاد أزعور خلال مؤتمر صحفي حول آفاق الاقتصاد بالشرق الأوسط وآسيا الوسطى من تأثر المنطقة العربية سلبا على المستويين المالي والاقتصادي جراء الحرب الإسرائيلية الراهنة في غزة.
وقال إن “القدرة على تحديد هذا التأثير وحجمه وامتداده الزمني تتطلب معرفة مآلات الحرب”، وأنه “من الصعب التكهن بالتداعيات الاقتصادية لما يجري في المنطقة، ولا حتى ترقب ما يمكن أن يحدث مستقبلا”.
لكنه أكد أنه من الضروري وجود احتياطات مالية في دول المنطقة، لتفادي مثل هذه الصدمات. وتوقع صندوق النقد في أحدث تقييماته أن يتراجع النمو في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اثنين في المئة خلال العام 2023، مقارنة بنحو 5.6 في المئة العام الماضي.
وسيتحقق هذا التراجع جراء خليط من العوامل من بينها خفض إنتاج النفط وتشديد السياسات النقدية والصعوبات المالية، التي تتعرض لها دول عربية مثل لبنان والسودان ومصر وتونس وسوريا.
وعلى سبيل المثال، تطرق الصندوق إلى ما يحدث في السودان. وقال إن الحرب في البلاد تؤثر أيضا في هذا الأداء “مع تأثيرها على حياة وسبل عيش كثيرين ودفعهم إلى النزوح متسببة باضطرابات اقتصادية حادة”.
لكن تقرير المؤسسة الدولية المانحة توقع أن تتحسن الأوضاع في المنطقة العام 2024 ليصل النمو إلى 3.4 في المئة “مع تراجع الانكماش في السودان وتلاشي عوامل أخرى مثبطة للنمو بما يشمل الخفض المؤقت في إنتاج النفط”.
وأشار صندوق النقد إلى أن التضخم يتراجع في أسواق المنطقة العربية بشكل ملحوظ قياسا بما كان عليه بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، إلا أنه يبقى مرتفعا في بعض الدول.
ومن العوامل التي عدّدها التقرير أيضا، تناقص قيمة العملة في بعض الدول والقيود على الواردات على غرار مصر، ومواسم جفاف متكررة، ما يزيد من “الضغوط التضخمية في بعض الدول ويرفع معدل التضخم عبر المنطقة”.
وفي حين عاد معدل التضخم إلى مستوياته ما قبل جائحة كوفيد في دول المنطقة مرتفعة ومتوسطة الدخل، قال التقرير إن “التضخم الشهري يبقى فوق المعدلات التاريخية في مصر وتونس”.
وبقي التضخم بمعدل سنوي منذ شهر يوليو الماضي فوق 10 في المئة في المغرب وتونس بسبب الجفاف وفوق 35 في المئة في مصر جراء تأثير تراجع سعر العملة على أسعار الواردات.