الحكومة بحثت في كل شيء إلا في “هاجس” المواطن بالدولار
6 آذار 2020
03 : 40
تتواصل الجهود الرسمية لإيجاد مخرج مقنع ومنطقي لقوننة “الكابيتال كونترول”. فاستنسابية المصارف في تقييدها الرساميل واختلاف إجراءات المصارف بين بعضها البعض، وأحياناً بين فروع المصرف الواحد، لم تعد مقبولة، وقد كانت سبباً لوضع المدعي العام المالي إشارة “منْع تصرّف” على أصولها. فغياب القوانين المرعيّة الإجراء تُلحق الأذى بسمعة لبنان وتزيد من منسوب غضب وإحباط المواطنين أوّلاً، وتمنع المحاكمة وملاحقة النافذين والمحظيّين الذين يستفيدون من الثغرات أو الوساطات لتهريب أموالهم ثانياً.
الأجواء التي ترافق إقرار قانون بهذه الأهمية في الظروف الراهنة التي يمرّ بها لبنان ضبابية، والطريق أمام مُعدّي المشروع ليست معبّدة. كغيره من المواضيع يتطلّب الكابيتال كونترول أمراً من اثنين:
– إما إصدار قانون من مجلس النواب يأتي على خلفية مشروع قانون تُحيله الحكومة إلى مجلس النواب، والأخير يصوّت عليه أو يُحيله على اللجان لمزيد من الدرس. أو يأتي بصفة معجّل مكرّر بعد اقتراح من نائب أو أكثر.
– وإما تعميم صادر عن حاكمية مصرف لبنان.
الغطاء القانوني غير متوفّر
الحلاّن غير صالحَين قانوناً، “فالأول يتعارض مع مقدمة الدستور التي تنص صراحة على ان لبنان بلد ليبرالي يحترم ولا يتعرض للملكية الخاصة. وعليه فان كل تشريع يناقض الدستور يعرض القانون للطعن أمام المجلس الدستوري الذي ينظر بدستورية القوانين. والثاني، أي إذا صدر القانون بواسطة تعميم من حاكم مصرف لبنان، فهو بحاجة إلى توسيع صلاحيات الحاكم، بخاصة ان المسألة تدخل ضمن نطاق مجلس الحاكمية أي المجلس الذي يتكون من نواب الرئيس، المنتهيه مدة ولايتهم، وبالتالي فان اضطلاع الحاكم منفرداً في التعميم سيكون مشكوكاً بشرعيته وسيعرّض التعميم لرفع دعوى أمام القضاء الإداري أي مجلس شورى الدولة”، يقول المحامي المتخصص في القانون المصرفي والمالي عماد الخازن. إضافة إلى العقبات التشريعية فإن التصويت على القانون يُعتبر بمثابة امتحان شجاعة وجرأة للنواب. فمن منهم الذي سيتجرأ على إقرار قانون غير شعبي يعرّضه للمحاسبة مستقبلاً في صندوقة الإقتراع؟
ما الحل؟
لم يبق أمام الباحثين عن حلّ اللغز إلا الإلتفاف على المادة التي وردت في قانون النقد والتسليف التي تقول بما معناه أن “الحكومة تضع السياسة المالية في البلد بالتشاور مع حاكم مصرف لبنان”، وعكسها لتصبح “الحاكم يصدر تعميم الكابيتال كونترول بالتشاور مع الحكومة. وهو ما دفع بالحاكم قبل أسابيع إلى توجيه كتاب الى السلطة التنفيذية لتوسيع صلاحياته بمحاولة لإعطاء غطاء سياسي جامع”، يضيف الخازن.
اليأس من القوانين المحلية دفعهم إلى البحث في القوانين الدولية وتحديداً في المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، والتي تفيد، برأي بعض المنظرين، بأن الدولة يمكنها “تقييد الحقوق بنحو موقت بهدف الخلاص من ضرر يتعلق بالمصلحة العامة”، إلا ان ما تبين بحسب الخازن أن “لا شيء من هذا القبيل موجوداً أو يمكن الإستفادة منه”. لتعود الأمور إلى المربع الأول إلى إصدار تعميم من دون غطاء قانوني ولكل حادث حديث.
المضمون “فارغ”
المسودة الأولية للقانون نصّت على: توحيد المعايير المصرفية، عدم وضع سقف على السحوبات بالليرة اللبنانية، تنظيم عملية التحاويل بين لبنان والخارج، (وهذه النقطة تحديداً تواجه مشكلة تحديد المعايير وتنظيم الأولويات، خصوصاً لجهة التحاويل من لبنان إلى الخارج)، فيما تركت النقطة الأهم والمفصلية والتي تتعلق بتوحيد وتحديد سقف للسحوبات بالعملة الأجنبية اختيارية تحدّدها المصارف بحسب قدراتها المالية.
الميوعة في هذه النقطة تحديداً قد تلغي كل المفاعيل الإيجابية للقانون لأنها لن ترضي المودعين وستزيد من نقمتهم وغضبهم على المصارف. فالخسائر التي تتكبدها بعض المصارف يومياً على كل مئة دولار تدفعها تصل إلى حدود 2.7 دولار تسددها إلى مصرف لبنان، وهو ما سيدفع أغلبيتها إلى تقليص السحوبات بالعملة الأجنبية إلى المستويات الدنيا.
مقابل هذا الواقع ستعمد المصارف بحسب القانون إلى “إنشاء حسابات خاصة حرة بالعملات الأجنبية معفية من أي قيود لجهة السحب أو التحويل أو خلافه وستتضمن بالإضافة إلى التحاويل الخارجية كل الأموال المسحوبة والتي يعاود أصحابها وضعها في المصارف”، يقول الخازن، وهذا الإجراء برأيه “سيجمع على عودة الأموال الهاربة والتي تقدر بحسب البعض بنحو 7 مليارات دولار، بغض النظر عن الموافقة على الرقم، وستسهم في تعزيز وضع المصارف وقدرتها على امتصاص الطلب الكبير على سحب الدولار”.
أهمية “الكابيتال كونترول”
تعتمد المحاكم اللبنانية في الدعاوى التي ترفع في وجه المصارف على قوانين “مجمعة” بمعنى أنه لا يوجد نص واضح وصريح يحدد أو ينفي الفعل الجرمي. فـ”أحكام البداية تعلق في الإستئناف والتمييز. بحيث لا تملك السلطة التشريعية (القضاة، المحامون) إطاراً قانونياً تتحرك داخله. وهذا ما يحمي المصارف من جهة. ويريح المودعين من الإستحصال على أحكام غير قابلة للتنفيذ”، يقول الخازن.
التوصل إلى “كابيتال كونترول” جدّي بعد تنفيذ “قصة شعر” عادلة قد يكون أحد الحلول لخرق جدار الأزمة، إلا ان المشكلة ان القيود على إصدار القوانين العادلة ما زالت منوطة بطبقة سياسية لن تضحّي بمصالحها ولو انهار البلد، وهي فقدت مشروعيتها وتسعى اليوم إلى تشتيت الأنظار عن مسؤوليتها بما آلت إليه الأمور. فقانون “الكابيتال كونترول” مثله مثل أي قانون يهدف إلى حماية المودعين شرط أن يترافق مع خطة يكون ضامنها جهة دولية كصندوق النقد الدولي قادر على مراقبة تطبيق الإصلاح.