الكويت، التي تقع على حوالى 6% من احتياطيات النفط العالمية، تُعَدّ واحدة من أغنى دول العالم ومصدراً رئيساً للطاقة.
لكن في حزيران، ومع ارتفاع درجات الحرارة التي أرهقت شبكة الكهرباء في البلاد، وجدت معلمة المدرسة الابتدائية الكويتية، شيخة الشمري، نفسها تدرّس في الظلام بعد انقطاع مفاجئ للتيار الكهربائي. وفي الشهر الماضي، عادت إلى المنزل لتجد أطفالها يعانون أيضاً من انقطاع الكهرباء، ما أدّى إلى إيقاف التكييف.
وقال مشاري العليان، (40 عاماً)، وهو محامٍ، إنّ الانقطاعات المتكرّرة للكهرباء التي لجأت إليها الحكومة مؤخّراً بسبب ارتفاع الطلب على الكهرباء كانت “كارثة”. وأوضح أنّ والده يعتمد على جهاز تنفس يحتاج إلى الكهرباء للعمل، لذا بات يحرص على إبقاء جهاز احتياطي مشحون وجاهز للاستخدام. وتساءل: “منذ متى والكويت تعاني من انقطاعات الكهرباء؟”.
مشاكل الكهرباء في الكويت لها أسباب عدة
مع ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض، تجاوز الطلب المتزايد قدرة شبكة الكهرباء الحالية، بينما أعاقت التأخيرات البيروقراطية الجهود الرامية لتوسيعها. كما انتقلت الكويت بشكل كبير من حرق النفط لتوليد الكهرباء – وهي طريقة أكثر تلويثاً – إلى استخدام الغاز الطبيعي. ونظراً إلى أنّ البلاد تنتج كميات قليلة نسبياً من الغاز الطبيعي، فهي بحاجة إلى استيراده.
وتسلّط الانقطاعات في الكويت هذا الصيف الضوء على التحدّيات التي تواجهها حتى الدول الغنية في المنطقة مع إعادة ترتيب الحياة في الشرق الأوسط بسبب تغيّر المناخ. ففي نيسان، تسبّبت الأمطار الغزيرة في فيضانات شديدة في دبي، الإمارات العربية المتحدة، ما أدّى إلى فوضى في مطارها الدولي. وفي حزيران، ساهمت موجات الحرارة في وفاة أكثر من 1300 شخص أثناء أداء فريضة الحج في السعودية.
الانقطاعات الصيفية ليست جديدة في الكويت؛ فهي تحدث بانتظام منذ عام 2006. لكن هذا العام، زادت وزارة الكهرباء والماء والطاقة المتجدّدة من الانقطاعات المجدولة، ويقول الكويتيّون إنّ الكهرباء تنقطع بشكل متكرّر أكثر.
في 18 آب، حذّرت الوزارة من حدوث انقطاعات في أحياء عدة بأنحاء البلاد، وطلبت من الناس ترشيد استهلاك الطاقة خلال ساعات الذروة من 11 صباحاً إلى 5 مساءً. وأرجعت هذه الانقطاعات إلى “اضطراب في إمدادات الوقود” المستخدم في توليد الكهرباء من الغاز الطبيعي. وفي بيان صدر هذا الصيف، عزت الوزارة الانقطاعات في حزيران إلى “عدم قدرة محطات توليد الطاقة على تلبية الطلب المتزايد خلال أوقات الذروة، بالإضافة إلى ارتفاع درجات الحرارة مقارنةً بالسنوات السابقة.”
في أواخر آب، قالت الوزارة إنّ الكويت سجّلت أعلى حمولة كهربائية في تاريخها مع وصول درجات الحرارة إلى 50 درجة مئوية، أي ما يزيد عن 120 درجة فهرنهايت، ممّا تفاقم بسبب الرطوبة العالية على الساحل.
وقالت الشمري، 31 عاماً: “مجرد الخروج من المنزل أصبح صعباً”. وقالت سارة هاشم إبراهيم، 34 عاماً وهي معلمة في مدرسة متوسطة، إنّها لاحظت أنّ الطلاب يتأثّرون بشكل متزايد بالحرارة، ويجدون صعوبة في التركيز. وأضافت: “عندما يكون الجو حاراً جداً وتنقطع الكهرباء، تتوقف حياتك تماماً. حتى المهام اليومية البسيطة لا يمكنك القيام بها.”
تُعَدّ الكويت واحدة من أكبر مُصدِّري النفط في العالم، ولديها صندوق سيادي تبلغ قيمته 980 مليار دولار. ومع ذلك، غالباً ما يشتكي مواطنوها من سوء إدارة الحكومة. وفي تقرير حديث، ألقت شركة “الشال” للاستشارات الاقتصادية باللوم على الانقطاعات الكهربائية بسبب فوضى الإدارة العامة، وليس بسبب عجز مالي أو نقص في الوقود، مشيرة إلى أنّ هناك 14 وزيراً للكهرباء خلال السنوات العشر الماضية، اثنان منهم تولّيا المنصب مرتَين.
ولعقود، حذّر الخبراء من أزمة طاقة وشيكة في الكويت، مشيرين إلى التأخيرات في بناء محطات توليد الطاقة لمواكبة الطلب المتزايد.
وكتب يوسف الزلزلة، وزير سابق وعضو سابق في البرلمان، على وسائل التواصل الاجتماعي: “في بلد مثل الكويت، الذي يمتلك كل المقوّمات التي تجعله من الدول المتقدمة، عندما تنقطع الكهرباء في الصيف الحار، تدرك أنّ هناك خللاً في التخطيط.”
لكن حتى في دول الخليج مثل الإمارات وقطر – التي تتمتع بأنظمة بيروقراطية أكثر سلاسة، وتمكّنت من تجنّب الانقطاعات الواسعة – لم تتمكّن الحكومات من حماية شعوبها بالكامل من آثار تغيّر المناخ.
انبعاثات الوقود الأحفوري، التي جلبت لهذه الدول ثروات هائلة، هي المحرّك الرئيسي لظاهرة الاحتباس الحراري، وتُعَدّ المنطقة معرّضة لها بشكل خاص. فالتلوث والحرارة الشديدة يؤثّران سلباً على صحة العمّال المهاجرين الذين تتطلّب وظائفهم التعرّض إلى العوامل الجوية، وتجبر المواطنين على البقاء في الداخل، فيما يدفع الأثرياء إلى الهروب إلى أوروبا وأميركا الشمالية في فصل الصيف.
وتعتمد الكويت بشكل أساسي على الغاز الطبيعي لتوليد الكهرباء، وزاد استهلاكها للفرد بنسبة 16% بين عاَمي 2000 و2021، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
في آب، أعلنت مؤسسة البترول الكويتية أنّها أمّنت إمدادات غاز طبيعي مسال لمدة 15 عاماً من قطر، بناءً على صفقات مماثلة. ومع ذلك، يخشى العديد من الكويتيِّين أن المشكلة ستزداد سوءاً مع مرور الوقت.
وقال سامي العجمي، 42 عاماً، موظّف في شركة تكرير نفط حكومية: “عدد السكان في تزايد، بالتالي يزداد استهلاك الكهرباء – بالطبع سنشهد المزيد من انقطاعات الكهرباء”. وأضاف: “الحكومة تحاول بذل قصارى جهدها، لكنّنا لم نرَ أي حلول حتى الآن.”