ساهمت عوامل عدة بشكل مباشر على القدرة الشرائية والحياة اليومية للبنانيين، بسبب انخفاض الرواتب والاجور وازدياد البطالة وارتفاع وتفاوت اسعار السلع بشكل جنوني وعشوائي، خصوصا بعد فرض رسم 3% في موازنة 2019 على كل المستوردات الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة، وما بين 10 و35% على عدد كبير من المواد المستوردة لا سيما تلك المنافسة لنظيرتها المحلية، وكذلك بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة بعد 17 تشرين الاول.
اللبناني الذي كان يعيش، الى حد ما، ترف شراء البضائع المستوردة أصبح الان عاجزا حتى عن تأمينها وعن تأمين تلك المصنعة محليا بسبب ارتفاع اسعار السلع الغذائية والاساسية بشكل عشوائي، ناهيك عن عدم التزام التجار والاسواق بالاسعار المحددة وغياب المراقبة. فعلى من تقع المسؤولية في ضبط الاسعار، وهل هناك اي خطة لتدارك الوضع؟
أسيالا
وشرح رئيس قسم مكافحة الاحتكار في وزارة الاقتصاد علي أسيالا، لـ”الوكالة الوطنية للاعلام” اسباب ارتفاع الاسعار وخطة الوزارة لمواجهته، فقال: “مع اقرار الحكومة موازنة 2019 وفرض ضريبة 3% على المواد الخاضعة للضريبة على القيمة المضافة (TVA)، وبعد فرض رسوم تتراوح بين 10% و35% على عدد كبير من المواد المستوردة، بدأت وزارة الاقتصاد تراقب الاسعار عن كثب لضبطها بطريقة ألا تكون اعلى من نسبة الضريبة التي فرضتها الدولة، ولكن أتت الانتفاضة الشعبية وقلبت الموازين وانقطع الدولار، ما اضطر التجار الى شراء الدولار لدى الصيارفة، عندها ارتفع سعر الصرف وارتفعت الكلفة على التجار وبالتالي ارتفعت اسعار المواد الاستهلاكية والغذائية على المواطن”.
وعن نسبة ارتفاع الاسعار، قال: “خلال الدراسات التي اجرتها وزارة الاقتصاد تبين ان نسبة ارتفاع الاسعار تخطت ال 20 % ، وهذا الارتفاع يمكن ان يعود سببه ارتفاع الدولار، ولكن السبب الاهم هو جشع التجار في اكتساب المزيد من الارباح واستغلال الظروف”.
وعن سبب اختلاف الاسعار بين مؤسسة واخرى، اوضح انه “قبل الانتفاضة الشعبية بدأت تلوح في الافق بوادر ارتفاع الدولار بعد ان وصل الى حدود 1650 و1700 ليرة لبنانية، حينها تلقى التجار تلك الاشارات وبدأوا شراء كميات هائلة على سعر الصرف المتدني خوفا من ان يشتروه لاحقا على سعر مرتفع كي يجنوا ارباحا اكثر ويبقى السعر في المستقبل مستقرا وينافسوا غيرهم بالاسعار، اضافة الى ان بعض التجار اشتروا كميات كبيرة لسلع معينة ما يمكنهم الحصول على اسعار وعروض افضل”.
وأكد أسيالا “ان وزارة الاقتصاد تقوم بواجبها في هذا المجال وتحتسب نسب الارباح، التي يجب الا تفوق 20%. من هنا نطلب فاتورة شراء من المصدر، وبناء عليها تحتسب نسبة الربح. وان ظهرت اي محاولات لجني ارباح تفوق 20% يتم فرض محضر، اما باقي دراسة الاسعار فتحتسب من خلال نسبة الارتفاع والانخفاض لسعر الشراء بالجملة وعندها يتبين مصدر الغلاء. فاذا كانت الشركة المصدرة هي مصدر الغلاء، نتوجه الى صاحب المصدر واذا لم يبرر التاجر سبب رفع سعره نقوم باعطائه محضر ضبط ليتم التصدي لتلك الممارسات من خلال القوانين النافذة وتحت مرسوم 73/83 الذي يسمح لنا بالتدخل”.
وعن سبب تأخير صدور الاحكام القضائية، اعتبر “ان التأخير في بت الملفات هي من اهم المشاكل التي تواجهها مديرية حماية المستهلك”، مشيرا الى انه “عند صدور تلك الاحكام تكون الغرامة المتوجبة على المخالف متدنية جدا لحجم المخالفة التي ارتكبها. ومنذ تولي السيدة عليا عباس مركز المدير العام لوزارة الاقتصاد أعدت مشروع قانون لتعديل بعض الاحكام لحماية المستهلك، ومن ضمنها السماح لوزارة الاقتصاد بأن تفرض غرامة مباشرة على التجار، لتكون العقوبة سريعة وموازية لحجم المخالفة”.
وحث أسيالا المواطنين اللبنانيين على “التطوع في مهمة مراقب ومفتش لتسريع العمل وتكثيف المهام في هذا الاطار، لان العدد الحالي غير كاف لتغطية جمع الاراضي اللبنانية”، كما دعا المواطنين عند ملاحظة اي مخالفة او اي ارتفاع بالاسعار التواصل مع الوزارة بشكل مباشر او الاتصال على الخط الساخن 1739 او عبر التطبيق lebanon protection consumer او ارسال بريد إلكتروني”.
فهد
من جهة ثانية، عبر نقيب اصحاب السوبرماركت في لبنان نبيل فهد عن “استيائه من الاتهامات التي تطال اصحاب السوبرماركت برفع اسعارها بشكل عشوائي”، معتبرا ان “السبب هو ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية”. وقال:”هذه الاتهامات هي شعبوية وتحريضية، فهناك اصناف كثيرة لم ترتفع اسعارها خصوصا السوبرماركت المنضوية تحت النقابة”.
وحمل الدولة “مسؤولية ارتفاع الاسعار، لانها تركت سعر الصرف يرتفع وينخفض دون حسيب او رقيب”.وقال: “عندما يرتفع سعر الصرف الى 2500 ليرة يضطر التاجر ان يزيد قيمتها على السعر الاساسي وكذلك السلع المحلية التي تدخلها مواد اولية نستوردها من الخارج. فهذه ليست مسؤولية المواطن او التاجر، من هنا علينا ان نصوب على من تقع المسؤولية الحقيقية”.
وشدد فهد على “ان التسعير لا يتم عشوائيا ويجب ان يعلن المتجر عن سعر السلعة نفسها”، واصفا عملية التسعير على الصندوق “غير مقبولة وغير قانونية”.
وعن نسبة الغلاء، قال: “ان النقابة تعتمد على الاحصاء المركزي الذي اظهر ان الاسعار ارتفعت منذ 17 تشرين الاول بنسبة 10% فقط بعكس ما اعلنت عنه جمعية المستهلك في بيان لها عن ارتفاع الاسعار بلغ 45,16% فهذه الارقام هدفها فقط احداث بلبلة وشحن لعواطف الناس”.
وعن دور النقابة في هذه الظروف، اعلن فهد “ان اعضاء النقابة يتنافسون بين بعضهم، فهذه الطريقة فعالة لضبط الاسعار، فعندما يكون هناك منافسة بين المحال حكما تنخفض الاسعار وتجذب الزبائن”.
وأثنى على “جهود مراقبي وزارة الاقتصاد الذين يزورون المتاجر دوريا مرة او مرتين كل اسبوع للتدقيق في الاسعار والفواتير ومقارنتها ومن ثم ينشرون الاسعار على موقع الوزارة للاطلاع على الاسعار الرسمية”.
صرخة المواطنين
وفي جولة في العاصمة، شكا المواطنون من “الارتفاع غير مبرر في اسعار المواد الاساسية والخضار واللحوم”، ملقين “اللوم على الجهات الرقابية لعدم ممارسة دورها في حماية المستهلك وتركه فريسة لجشع التجار”، ودعوا المسؤولين الى “التدخل لتعديل الاسعار وتكثيف المراقبة على الاسواق وردع المخالفين”.
بين وجع الناس وألمهم، هل يبقى بصيص أمل في ان تنفرج اوضاع اللبنانيين في ظل الحكومة الجديدة؟
“الوكالة الوطنية”