في ظل تنامي الخشية من أي تطورات دراماتيكية على الحدود الجنوبية اللبنانية، بعد اشتداد وتيرة الاشتباكات وتصاعد الاعمال العسكرية الهمجية من قبل العدو الصهيوني في قطاع غزة، خاصة بعد ارتكابه مجزرة بقصفه مستشفى المعمداني مخلفا أكثر من 500 قتيل ومئات الجرحى. الهلع طال معظم اللبنانيين تخوفا من حرب مفتوحة الجبهات مع جيش الاحتلال الصهيوني، مع إمكانية تكرار سيناريو حرب جديدة أكثر عنفا وتدميرا، وما زاد الناس خوفا هو ان قعقعة السلاح تخطت حدود ما يسمى قواعد الاشتباك، كما ان نزوح حوالي 2000 عائلة من البلدات الجنوبية الحدودية، يطرح تساؤلات وعلامات استفهام كثيرة حول احتمال تمدد احداث غزة الى لبنان، وبالتالي الدخول بحرب ضروس متوقدة ومواجهات عسكرية، يكون فيها صوت ازيز السلاح وحده سيد المعركة!
محليا، يخشى المواطنون من تدهور الأوضاع الأمنية، التي هي في الأصل متقهقرة، لا سيما في ظل تطور المواجهات جنوبا واشتداد وتيرتها بين الفينة والاخرى. هذا الواقع المتزعزع الهش، زاد من تهافت الناس لشراء طعام الأطفال والدواء والمواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية احتياطاً، قبل نفادها او انقطاعها او حتى فقدانها من السوق، كما حدث قبل نحو 3 سنوات تقريبا، أي مع بداية الازمة الاقتصادية في لبنان. هذا وقد اشترت عشرات العائلات اشوالاً من القمح، تمهيدا لطحنه في المطاحن تخوفا من انقطاع الخبز في الافران. الا ان الخطر الحقيقي ليس في نفاد السلع الغذائية الضرورية، وانما في “تجار الازمات” الذين يحاولون الاستفادة من أي ظرف ليرفعوا الأسعار، مستغلّين الوضع الأمني لا سيما في ظل الغياب التام للدولة وأجهزتها ومؤسساتها.
والسؤال الذي يطرح نفسه، كيف يمكن مكافحة ومراقبة التجار الذين ينتهزون أي فرصة سانحة لتحقيق الربح المادي؟ كما ان الدولة التي لم تكن قادرة على ضبط هؤلاء في أيام السلم كيف لها ان تفعل ذلك في أيام الحرب؟
الاسعار “فرقت طلوع”!
قامت “الديار” بجولة ميدانية لتقصّي حركة الشراء من قبل المواطنين وللتحرّي عن الأسعار، وتبين ان التهافت كبير جدا على شراء السلع الغذائية التي تعد بمثابة مواد أولية، مثل السكر، الحليب، الأرز، العدس، الفاصولياء والبرغل، كما ان الأسعار تغيّرت صعودا، فعلى سبيل المثال: سعر كيلو العدس ارتفع من 1.50 الى 1.95، كيس الأرز(700غرام) ارتفع من 1.29 الى 1.90 ، ما يعني ان السعر زاد بنحو 80 ألف ليرة لبنانية. وهنا لا بد من الإشارة الى ان التبدل في الأسعار حدث خلال اقل من أسبوع تقريبا. كما ارتفعت أيضا أسعار المواد الاستهلاكية غير الضرورية بنحو 50 سنتا على كل صنف، مثل مسحوق زبدة الفول السوداني والشوكولا المخصصة للشطائر، كما ارتفع ايضا سعر قنينة الحليب السائل من 1.15 سنتا الى 1.60.
المواد الغذائية متوفرة!
نقيب أصحاب السوبرماركت نبيل فهد قال لـ “الديار”: ” ان المخزون وفقا للبيان الصادر عن الهيئات الاقتصادية يكفي حتى أواخر السنة أي حوالي الـ 3 أشهر تقريبا، ولا يوجد أي مشكلة في هذا الإطار بالوقت الحاضر”، واشار الى “ان الرفوف في السوبرماركات ممتلئة بالبضائع، عدا بعض المحلات التي شهدت تهافتا من قبل المواطنين في الأيام القليلة الماضية، حيث زاد الطلب بنسبة قليلة جدا، وما لبث ان عاد الشراء الى طبيعته المعتادة. وهناك بعض المناطق التي تشهد اقبالا أكثر من مناطق أخرى، ولكن هذا الاقبال محدود ولا يمكن اعتبار عملية التهافت هذه بالضغط الكبير”.
اما بالنسبة للأسعار فأوضح “لم نلحظ أي تغيير بالأسعار، ان كان من جهة المورّدين كمصانع او مستوردين، او حتى في المحلات التجارية و”السوبرماركات”، فعلى العكس ادى انخفاض الطلب في تشرين الأول، كونه شهر المدارس، الى تراجع الطلب على المواد الاستهلاكية، وهذا ما دفع أصحاب “السوبرماركات” الى اجراء عروضات وتخفيضات، وهذا واضح في الدعايات التي تبث على وسائل التواصل الاجتماعي”.
وتطرق فهد الى موضوع تسعير بعض السلع المستوردة بالليرة اللبنانية ، فقال “ان بعض الشركات الأساسية لم تبدل أسعارها اساسا، أي أبقت على تسعيرتها بالعملة المحلية، ولكن قرار وزير الاقتصاد يقضي بأن يسعر الموردون البضائع بالدولار، وكذلك الامر بالنسبة ل “السوبرماركات”، اما إذا اراد المورّد ان يعتمد التسعير بالليرة اللبنانية، ف “السوبرماركات” يمكنها ذلك أيضا”.
غذاء الأطفال متاح!
وأكد فهد “ان الحليب المخصص للأطفال من عمر الثلاث سنوات متوافر في “السوبرماركات”، ولا يوجد انقطاع لأي نوع، واقبال المواطنين على شراء كميات إضافية امر بديهي وضمن السياق المعتاد. لذلك فإن عمليات التبضع التي تجري يوميا لا تصب في نطاق التخزين، اما بالنسبة لغذاء الرضع فهو محصور في الصيدليات، لذلك لا املك أي معطيات ان كان متوافرا ام لا”.
خطة احترازية!
ولفت الى “ان وضع خطة في هذه الظروف الاستثنائية، مرتبط بسلسلة التوريد وأيضا بالشحن وقدرة المستوردين والمصانع بالحصول على المواد الأولية، وحتى الساعة وفق ما افادنا به الزملاء في الهيئات الاقتصادية للمواد الغذائية، ان لا انقطاع او توقف بسلسلة التوريد حتى من أوكرانيا، مثل الزيوت والحبوب بشكل خاص”. واكد “أنها تصل بكميات مقبولة، ولم نلاحظ انكماشا او تقليصا او تراجعا في عمليات الاستيراد من المصادر الأخرى، والأمور تجري بشكل طبيعي حتى الساعة”.
أضاف “لكن هذه الديمومة مرتبطة بعدم وجود أي حصار على مرفأ بيروت، وعدم توقف السلسلة من ناحية زيادة اكلاف الشحن والتأمين لكي يستمروا بالمجيء الى لبنان في حال وقعت الحرب. وحاليا لا يمكننا ان نحتاط، وجل ما نستطيع فعله هو تأمين استمرارية هذه السلسلة في اوقاتها، لان التمويل من المصارف غير موجود حتى ندّخر كميات إضافية. والتخزين حاليا يحدث بناء على الأموال المتوافرة”.