ربما تكون حركة اليوان مقابل الدولار الأميركي أحد أهم أسباب الحرب التجارية القائمة بين واشنطن وبكين، حيث طرحت الإدارة الأميركية ولأكثر من مرة تساؤلات حول قيام الصين بالتلاعب في قيمة عملتها مقابل الورقة الخضراء والعملة الأوروبية الموحدة، لتعزيز وتنمية صادراتها، وهو ما تنفيه الصين بشكل مستمر.
وكشف تقرير حديث لصحيفة “إيكونوميست”، أن الصين التي حققت أفضل أداء اقتصادي هذا العام مع تصديها لجائحة كورونا بشكل سريع، تمكنت من حصد العديد من المكاسب وجذبت الكثير من النقود من خلال الاستثمارات الأجنبية التي هربت إليها منذ بداية العام الحالي وحتى الآن.
وربما يرجع استقطاب الصين لحصيلة ضخمة من الاستثمارات خلال الفترة الماضية إلى تحقيقها طفرة كبيرة في الفائض التجاري، وهو ما يعود بشكل مباشر إلى مصانعها التي تعمل بكامل طاقتها، واندفاع الأموال في سنداتها وكل ذلك يرجع إلى نسب النمو التي حققها الاقتصاد الصيني.
وذكر التقرير أن هذه المكاسب التي حققتها الصين كان من المتوقع أن تقود العملة الصينية إلى مزيد من القوة مقابل الدولار الأميركي، ولكن لم يحدث ذلك، حيث أدى الارتفاع الأخير في قيمة اليوان مقابل الدولار إلى جعله يتماشى في مستويات الارتفاع والانخفاض التي يحققها اليورو والين الياباني، وهو ما يدفع إلى التساؤل حول تدخل الصين وقيامها بالتلاعب في قيمة عملتها.
وكشف التقرير أن الإجابة أصعب بكثير مما كانت عليه في الماضي. فعلى مدى عقدين وحتى منتصف عام 2014، كان التراكم الهائل لاحتياطيات النقد الأجنبي في الصين نتاجًا ثانويًا واضحًا لإجراءات لتقييد اليوان، حيث جذب البنك المركزي تدفقات نقدية ضخمة. وكان الانخفاض الحاد في الاحتياطيات خلال عامي 2015 و2016، دليلاً على تدخلها ودعم اليوان عندما اندفع المستثمرون للخروج.
لكن منذ ذلك الحين، ظلت احتياطيات الصين ثابتة بشكل غير متوقع. وخلال العام الحالي ارتفعت الاحتياطيات بنسبة 1% فقط.
وبالنظر إلى القيمة الاسمية، يبدو أن البنك المركزي الصيني قد امتنع عن التدخل، وهذا بالتأكيد ما تريد نقله الصين، التي تصف العرض والطلب على اليوان بانتظام بأنه “متوازن أساساً”.
وفق التقرير، فإن نصف العام الماضي يمثل لغزاً. وبالنظر إلى أن الصين قد جمعت تدفقات كبيرة إلى الداخل، فكيف يمكن لليوان أن يظل مستقراً دون زيادة معادلة في احتياطيات النقد الأجنبي؟
لكن يكمن أحد التفسيرات المحتملة في الميزانيات العمومية لبنوكها التجارية التي ارتفعت أصولها الأجنبية بمقدار 125 مليار دولار منذ أبريل الماضي. وجميع البنوك الصينية الكبرى مملوكة للدولة، لذلك من المتوقع أن تكون الحكومة الصينية قد استخدمتها كوكلاء. ولفت التقرير إلى أن إضافة الممتلكات الأجنبية للبنوك إلى الاحتياطيات الرسمية ترسم صورة أكثر دلالة على التدخل لقمع اليوان.
في الوقت نفسه، يشعر العديد من تجار العملة بتدخل الدولة، وإن كان ذلك أكثر تحفظاً مما كان عليه في الماضي. حيث يقول أحد التجار: “أظن أن البنك المركزي لديه الآن حسابات تداول خاصة في بنوك الدولة”. ومع ذلك فهي ليست قضية مفتوحة لكنها مغلقة. وأراد المصدرون أنفسهم الاحتفاظ بجزء كبير من عائداتهم بالدولار خوفاً من أن يؤدي الاحتكاك مع أميركا إلى الإضرار باليوان.
وتمتلك الصين العديد من الأدوات للتأثير على سعر الصرف بما يتجاوز التدخل المباشر. وفي 12 أكتوبر الماضي، جعل البنك المركزي من الأرخص بيع اليوان في التداولات الآجلة، في إشارة إلى أنه يريد الحد من ارتفاع قيمة اليوان. وفي 23 أكتوبر، قال إن “السوق الذكية” ستنظر دائماً في مخاطر الصعود والهبوط، وهو تذكير بأن الصين تريد أن يكون اليوان متقلباً ولكن ضمن نطاق ضيق إلى حد ما.