وافقت الحكومة العراقية في شهر آب المنصرم، على تجديد اتفاق توريد زيت الوقود إلى لبنان، قُبَيلَ انتهاء مهلة العقد الأوّل في أيلول 2022. لكن الموافقة لم تُتَرجَم إلى شحنات بعد، وطُرِحَت علامات استفهام حول تأخُّر وصول الشحنة الأخيرة من العقد الأوّل، وتأخُّر تنفيذ العقد الثاني. غير أن المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، تدخَّلَ لإزالة العقبات وإعادة الأمور إلى مسارها. فهل ترتفع ساعات التغذية قريباً؟. (راجع المدن).
بشائر الانفراج
ينتظر لبنان توريد مليون طن من زيت الوقود العراقي، ستُستَبدَل بفيول صالح لمعامل الكهرباء. وبعد تأخير لنحو 3 أشهر، طمأن ابراهيم خلال حديث مع “قناة العراقية الإخبارية”، إلى أن “اتفاقية توريد الفيول العراقي إلى لبنان تسير بشكل إيجابي وتستكمل قريباً”.
البشرى التي حملها ابراهيم إثر زيارته العراق، سُبِقَت بوصول قسم من الشحنة العراقية الأخيرة، من دون أي إعلان رسمي عن ذلك. فحسب مصادر إدارية في المديرية العامة للنفط، فإن شحنة الـ50 ألف طن التي فرّغت الشهر الماضي في معملي دير عمار والزهراني، هي جزء من الشحنة العراقية التابعة للعقد الأول، وسيليها الجزء الأخير الشهر المقبل. وعن العقد الثاني، تؤكّد المصادر في حديث لـ”المدن” أن الملف يسير بشكل طبيعي، وتم إطلاق مناقصة تبديل الشحنة الأولى من زيت الوقود بالفيول الملائم.
الانفراجات نظرية حتى الآن. فلم يحدد ابراهيم أو منشآت النفط موعداً لبدء وصول الفيول الجديد. على أن السؤال الأهم، هو عدد ساعات التغذية التي ستنتج عن الفيول. فالتجربة السابقة لم تقدِّم أكثر من ساعة يومياً في أفضل الأحوال، فيما وعود وزارة الطاقة تحدّثت عن 4 ساعات يومياً. كما أن ارتفاع أسعار النفط عالمياً سيقلّل كميات الفيول الواردة إلى لبنان.
عقدة الخدمات العالقة
المؤشرات الإيجابية التي حملها ابراهيم، يلطّخها عدم قدرة لبنان على سداد قيمة زيت الوقود العراقي. فالخدمات والبضائع التي وافق العراق على اعتمادها كمقابل لزيت الوقود، لم يوفِ بها لبنان في العقد الأوّل، ولم يقدّم تطمينات حول تسديدها في العقد الثاني، وهو ما أخَّرَ تطبيقه.
وتلمّح مصادر عراقية متابعة للملف، في حديث لـ”المدن”، إلى أن بطء تنفيذ الاتفاق الثاني وتأخّر توريد الشحنة الأخيرة من العقد الأول، يعود إلى “توتّر في العلاقة بين الجانب العراقي ووزارة الطاقة اللبنانية. فالوزارة ماطلت في قبول شروط عراقية تتعلّق بضمانات تسديد قيمة الشحنات. كما أن العراق كان يريد قبض جزء من قيمة الشحنات بالدولار النقدي”.
مع الوقت، وافق العراق على إبقاء الوضع على ما هو عليه. وقد عبَّرَ محافظ البنك المركزي العراقي، مصطفى مخيف، عن ذلك في لقاء سابق جمعه بوزير الطاقة اللبناني وليد فيّاض. فرأى مخيف أن “الاتفاقية تنبع من موقف استراتيجي للوقوف مع لبنان دولة وشعباً بصرف النظر عن الشروط والضوابط وما يمكن أن يحصل عليه العراق في المقابل”. أي أن العراق يريد من الاتفاقية مساعدة لبنان بصرف النظر عن الكلفة “من دون أن ينسى حقّه المؤجَّل”. تقول المصادر التي ترجّح ظهور عقد جديدة في المستقبل القريب بسبب التغيّرات التي يشهدها الاقتصاد العراقي.
سعر صرف الدينار
إصرار العراقيين على تغيير آلية تسديد ثمن زيت الوقود من الخدمات والمنتجات الزراعية والصناعية إلى الدولار النقدي، يستند إلى ما يشهده العراق من متغيّرات تطال سعر صرف الدينار وعدم قدرة الحكومة والبنك المركزي على معالجة الأزمة بسرعة. ومع ذلك، فضَّلَ العراق عدم تعريض المصلحة اللبنانية للخطر بسبب الحاجة الملحّة للكهرباء، حتى لو كانت ساعة واحدة. لكن “إلى متى سيصمد العراق قبل أن يطالب لبنان ببدل مادي نقدي؟”.
تشرح المصادر العراقية أنه “خلال الأسبوعين الماضيين صَرَفَ العراقيون الـ100 دولار بنحو 151 ألف دينار، بعد أن كانت بنحو 120 ألف دينار. وينتظر العراقيون وعوداً من المصرف المركزي بخفض السعر إلى نحو 148 ألف دينار”. وهذا الارتفاع ليس طارئاً بل نتيجة خلل بنيوي “يصعب حلّه بأقل من 5 سنوات، بالاستناد إلى تصريحات مسؤولين في البنك المركزي”. وعليه، ترتكز المصادر إلى أن الصعوبات التي يواجهها العراق، قد تجبره على مطالبة لبنان “إما بدولار نقدي أو ببدء تقديم الخدمات وتوريد البضائع الموعود بها منذ العام الماضي. وبالنظر إلى عدم قدرة لبنان على الالتزام ببنود العقد، فقد يلجأ العراق إلى وقف التوريد أو تأخير الشحنات”.
يملك المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، علاقات متينة مع العراقيين، يمكن استعمالها لتليين أي تصلّب محتمل. لكن عدم امتلاك لبنان قدرة على الإيفاء بالمتوجّبات، قد يصعّب مهمّة ابراهيم في المستقبل.