بعد 6 أشهر على إقرار المجلس النيابي القانون 219 المتعلق بالموافقة على إبرام اتفاقية قرض بين لبنان والبنك الدولي لتنفيذ المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الاجتماعي بقيمة 246 مليون دولار، عاد القانون نفسه الى مجلس النواب لإضفاء تعديلات عليه. وذلك بعد استفاقة البنك الدولي على معارضته للصيغة التي اعتمدت في المجلس النيابي بإنشاء منصة خاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية لتسجيل العائلات الأكثر فقراً، واشتراطه أن تكون المنصة المستخدمة لهذا الغرض هي نفسها منصة impact التي يديرها التفتيش المركزي والمستخدمة في تسجيل الراغبين في تلقي لقاح كورونا. التعديلات الرئيسية تتعلق بشقين، أمني ومالي:
في الشق الأمني، سبق أن قدّمت الأجهزة الأمنية من قوى أمن داخلي وأمن عام ومخابرات الجيش تقارير تنبّه من خطورة اعتماد منصة impact لأن داتا اللبنانيين ستكون مكشوفة أمام الجهات الخارجية، نظراً إلى وجود الخوادم الرئيسية للمنصة في ألمانيا ولخضوعها لإدارة شركة «سيرين» (siren) البريطانية. ولفت التقرير الى أن من يقوم بتمويل هذه النشاطات هي منظمات غير حكومية، أي شركة سيرين المموّلة من الحكومة البريطانية، تسيطر على كل تفاصيل المشروع من إدارة البيانات وإنشاء الصفحات والإشراف عليها وصيانتها. كما أنه «لا وجود لضمانات تقنية وأمنية تؤكد عدم اختراق تلك البيانات من قبل جهات معادية». ينسحب الأمر نفسه على المنصة التي ستدير عمل البطاقة التمويلية، ذلك لأنه سيتم اعتماد المنصة نفسها للبطاقتين: بطاقة شبكة الأمان الاجتماعي والبطاقة التمويلية.
وفي هذا السياق، كانت رئاسة الحكومة السابقة قد شكلت لجنة برئاسة وزير الاتصالات السابق طلال حواط بهدف دراسة موضوع المنصة من الناحية الأمنية والتقنية ووضع ضوابط لعملها وهو ما حصل فعلياً. فيما أصدر وزير الداخلية السابق محمد فهمي تعميماً على الإدارات والمديريات والبلديات يطلب فيه عدم التعاون مع هذه المنصة. لكن تعميم الوزير السابق أطاحه وزير الداخلية الحالي بسام المولوي. إذ اطّلعت «الأخبار» على قرار صادر بتاريخ 22 تشرين الأول الجاري يطلب فيه المولوي وقف العمل بالتعميم الصادر عن فهمي، بحجّة أن اللجنة الوزارية المختصة بتحديد آلية ومعايير تطبيق البطاقة التمويلية أثبتت أن «ملكية معلومات البطاقة تعود للدولة اللبنانية ممثلة بمجلس الوزراء، وأن الأجهزة الأمنية والخوادم الرئيسية توضع لدى هيئة أوجيرو وتكون مشفّرة مع البيانات، وذلك وفق معايير أمان عالية تضمن حماية المعلومات المتعلقة بها»، وأن ذلك سيجري بإشراف ومراقبة التفتيش المركزي، ما يعني استمرار الشركة البريطانية بإدارة هذه المنصة ووضع كل البيانات بتصرفها.
في هذا السياق. رغم ذلك، تجاهلت الحكومة ومجلس النواب القانون وكل التقارير الأمنية، وخضعا لشروط البنك الدولي ولنفوذ الشركة البريطانية وممثلتها في التفتيش كارول شرباتي. فيما تؤكد مصادر الأمن العام أنه لم يتسلّم الى الآن الضمانات التقنية المطلوبة لتحديد الجهة المخوّلة الولوج الى الداتا والتأكيد على وضع الخادم في لبنان. وبحسب المصادر، «ثمة خوف مشروع من تسريب الداتا من القيّمين على الخوادم في ظل غياب أي حماية للبيانات. وكل حديث عن التشفير ليس سوى كذبة، فمن يضع الخوادم ويستخدمها باستطاعته فك تشفيرها متى يشاء.
أما في الشقّ المالي، فثمّة فضيحة لا تقلّ خطراً. فبعدما أقرّ مجلس النواب كامل مبلغ القرض أي 246 مليون دولار (ضمّ مبلغ 22 مليون دولار المقتطع لمصلحة برنامج دعم العائلات) وأبلغ البنك الدولي بهذه التعديلات، عاد البنك ليطالب باقتطاع الـ 22 مليون دولار نفسها بحجة دفع رواتب موظفين أجانب وشركات أجنبية إعلانية وغيرها، ثم خفّض المبلغ الى 16 مليون دولار بموافقة من حكومة نجيب ميقاتي على هذا التعديل، علماً بأن حكومة حسان دياب التي كانت قد تسلّمت خطياً موافقة البنك الدولي بتاريخ 15 حزيران الماضي على كل بنود الاتفاقية، لم تتلقّ أي معارضة أو طلب من البنك طوال الفترة اللاحقة وحتى انتهاء ولايتها في 10 أيلول الماضي، سوى في ما يخص الدفع بالدولار لحاملي بطاقة شبكة الأمان.
من جهة أخرى، طلب البنك الدولي أيضاً من مجلس النواب تعديل عقود الموظفين الأجانب العاملين معه، فأزال تاريخ عملهم المحدد بثلاث سنوات ليبقي عليه مفتوحاً. وتعلّق جهات مطلعة ومشاركة في كل مراحل التفاوض بأن هذا التعديل سيكرر مجدداً تجربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ولكن هذه المرة بإدارة البنك الدولي. ترضخ غالبية الكتل النيابية لهذه الطلبات تحت عنوان عدم تطيير 230 مليون دولار من أجل 16 مليوناً ولأن الجهات المانحة طلبت ذلك، رغم أن المبلغ عبارة عن قرض مستحق على الدولة اللبنانية وليس هبة، وبالتالي يفترض بالدولة استخدامه كما تشاء. وعلمت «الأخبار» أنه سيكون لكتلة الوفاء للمقاومة مداخلة في هذا الخصوص تعارض ما سبق.