من اليوم وحتى انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ستبقى سوق الصرف مستقرة، لأنّ السياسة المتّبعة ستكون ضخ دولارات عبر منصّة صيرفة وبيعها بسعر أقل من السوق السوداء. صحيح انّ هذا النهج نجح في المحافظة على استقرار السوق، لكن في المقابل ما الثمن الذي سيدفعه المودعون؟ وماذا بعد انتهاء ولاية الحاكم؟
يشهد سوق الصرف استقراراً من 21 آذار الماضي اي منذ حوالى 3 اشهر تاريخ إصدار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، تعميماً اعلن فيه إجراء عمليات مفتوحة ومستمرة لشراء الاوراق النقدية اللبنانية وبيع الدولار نقداً على سعر صيرفة.
وقد حدّد المركزي عند بدء تدخّله في السوق سعر صيرفة بـ90 الفاً، الّا انّ هذا السعر تراجع مع الوقت ليصل إلى 86200 ليرة أمس، كما تراجع الدولار من حوالى 140 الفاً في السوق السوداء إلى 93 الفاً اليوم. في المقابل لوحظ ارتفاع في حجم العمليات على صيرفة، إذ بعدما تراوحت في الفترة الأولى ما بين 100 إلى 150 مليون دولار ارتفعت أخيراً إلى حدود 183 مليوناً وصولاً إلى 218 مليون دولار الاسبوع الماضي.
استمرار ضخ الاموال عبر صيرفة وتدخّل المركزي المستمر في السوق باتا يثيران اعتراضات واسعة في الأوساط المالية، خصوصاً انّه حتى الآن كل المؤشرات تدل إلى انّ هذا النهج سيستمر حتى بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان في نهاية تموز المقبل، وانّ النائب الاول للحاكم وسيم منصوري، الذي سيستلم زمام الامور بعد سلامة، سيستمر في اتباع النهج نفسه، بما يعني استمرار ضخ الدولارات من الاحتياطي الإلزامي من دون خطوط حمراء.
ويرى محللون، انّ ما يحصل اليوم شبيه بسياسة دعم تثبيت سعر صرف الليرة على 1500 ليرة التي اتُبعت على مدى أكثر من 30 عاماً، والتي أدّت في نهاية المطاف إلى الأزمة المالية والاقتصادية غير المسبوقة في العالم والتي ندفع ثمنها منذ نهاية العام 2019.
واستُكمل هذا النهج بسياسة الدعم التي اتبّعت إبّان الأزمة، والتي طيّرت أكثر من 10 مليارات دولار من الاحتياطي في اقل من سنة على دعم المحروقات والطحين وبعض السلع الغذائية. وفي كلا التجربتين خلص الامر إلى اعتبار انّ ما حصل كان خطأ ساهم في تفاقم الأزمة التي نعيشها اليوم، وبدّد أموال المودعين.
وبالتالي، انّ استكمال السير بسياسة ضخ الدولارات عبر صيرفة وخسارة مصرف لبنان في كل عملية 7000 ليرة بالدولار، ستوصل في نهاية المطاف إلى الخلاصة نفسها. لكن الحاكم سلامة سيرحل مع نهاية ولايته في نهاية تموز، فمن سيتحمّل بعده مسؤولية هذه الخسارة والمضي بهذه السياسة؟ وإذا كان كل دعم مُدّت فيه اليد على أموال الاحتياطي، اعتُبر غلطة، فكيف لا يزال المسّ بهذه الاموال مسموحاً؟ وما استمرار السير بهذا النهج سوى سرقة موصوفة لأموال خاصة تعود للمودعين وليست للعموم.
ويشير تنامي حجم العمليات عبر صيرفة، إلى انّ المركزي «فاتح الحنفية»، وهو مستعد لتكبّد المزيد من الخسائر وبالقدر المطلوب من اجل الاستمرار في الحفاظ على الاستقرار في سعر الصرف اياً كان الثمن، حتى لو انّ حرق هذه الاموال سيؤدي إلى تضييع فرصة النهوض بكلفة مقبولة.
وفي السياق، يقول الرئيس السابق للجنة الرقابة على المصارف سمير حمود لـ «الجمهورية»، انّه في خضم الأزمة الحادة التي نمرّ فيها لا يمكن اعتبار انّ القرارات التي تُتخذ هي سلبية فقط او إيجابية فقط، انما المطلوب خلق توازن بينهما. فما فعله المركزي أخيراً هو الحدّ من تجارة العملات خارجه، لذا قرّر شراء الدولار بـ 93 الفاً وبيعها بـ 86 الفاً، قاطعاً الطريق على تجارة العملات ما بين المستهلك ومن يحتاج إلى الدولار وهذا يعدّ عاملاً ايجابياً.
وقدّر حمود ان تكون خسارة المركزي منذ مطلع العام حتى اليوم بحدود 700 مليون دولار، اي بمعدل 100 مليون دولار شهرياً، والخسارة تتراوح ما بين 7000 و 8000 ليرة عن كل دولار. أما كم يمكن للمركزي الاستمرار بهذا النهج؟ يرى حمود انّه قادر على الاستمرار بذلك حالياً الى حين تلوح بوادر ايجابية وحلول سياسية.
أما خطورة هذا النهج فتتمثل خصوصاً في حال قرّر المركزي وقف هذا الاستنزاف، من خلال وقف بيع الدولارات. عندها لا نعلم كم سيصبح سعر الصرف في السوق السوداء. وفي حال قرّر نائب الحاكم ان يوقف خسارة الـ 7000 ليرة في الدولار الواحد، اي ان يوحّد سعر صيرفة بسعر السوق. لكن السؤال المطروح: هل انّ نائب الحاكم الذي سيخلف الحاكم يملك القلب القوي الذي يتحلّى به الحاكم سلامة وجرأته ليلجأ إلى مثل هذه القرارات، أي الّا يخسر بالدولار من جهة، ويوقف ضخ الدولار في السوق عبر صيرفة؟
ولفت حمود، إلى انّه لا يمكن للمصرف المركزي ان يستمر بضخ الدولار من جهة وتسجيل خسارة ببيع الدولار من جهة أخرى، فلاستنزافه حدود، وفي الوقت نفسه يجب ان يكون لديه فائض من العملة الاجنبية ليضخّه في السوق متى زاد الطلب على الدولار. وكما بات معروفاً، فالمركزي ليس لديه فائض، لذا هو يستعمل الاموال التي يملكها من اموال الناس واموال المودعين.