يوماً بعد آخر، يثبت حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، أنه مجرّد «كشتبنجي» قامر بحياة المواطنين حتى آخر «نقطة» دعم، ونفض – في آخر المطاف – يده من صحتهم. فعلها سلامة أمس، عندما خرج ببيانٍ مقتضبٍ، معلناً – بلا مواربة – انتهاء مرحلة الدعم والبدء بمرحلةٍ أخرى عمادها ما تبقّى من أموال المودعين، والتي تأتي ضمن ما اصطلح على تسميته بأموال «الاحتياطي الإلزامي». وكان نصّه أشبه باعترافٍ ينهي سنواتٍ من المكابرة امتهنها ولا يزال حتى هذه اللحظة.
في الشكل وفي المضمون، ألقى الحاكم الكرة من يده ورماها في ملعب «السلطات المعنية لإيجاد الحل المناسب لهذه المعضلة الإنسانية والمالية المتفاقمة». وقد بنى «عجزه» هذا على سلسلة أرقامٍ دفعها المركزي منذ الأول من كانون الثاني من العام الجاري وحتى العشرين من الشهر الحالي. وفي هذا السياق، لفت إلى أن المبالغ التي تمّ تحويلها إلى المصارف خلال تلك الفترة لاستيراد الدواء والمستلزمات الطبية والمواد الأولية للصناعة الوطنية بلغت «485 مليون دولار أميركي، و535 مليوناً قيمة الملفات المرسلة إلى مصرف لبنان»، يضاف إليها منذ بدء العمل بآلية الموافقة المسبقة «290 مليون دولار أميركي قيمة 719 طلباً»، بحيث أصبح إجمالي الفواتير يساوي أكثر من 1.2 مليار دولار. وهو رقم لا يأتي كـ«نسخة طبق الأصل» عما أحصته وزارة الصحة العامة من أرقام.
يقول رئيس لجنة الصحة النيابية، الدكتور عاصم عراجي، مشيراً إلى أن «الوضع اليوم مأساوي بات معه الأمن الصحي على كفّ عفريت». أما وزارة الصحة، وبصرف النظر عن نوايا المركزي، فما تحفظه اليوم هو نص الاتفاق مع الأخير «على آلية الاستيراد، حيث ستعمل الوزارة على تزويد المركزي بالملفات التي تحتاج إلى استثناءات لدعمها بحسب حاجة السوق والأولويات». ما دون ذلك، «لا يستطيع مصرف لبنان أن يضعنا أمام الخيار الصعب، انطلاقاً من إنو ما فيك تقطع الدوا»!
مع ذلك، وعلى المقلب الآخر، جاءت «الانفراجة» من وزارة الصحة العامة، أمس، مع تحصيل موافقة من مصرف لبنان على دعم 1500 فاتورة أدوية مخزنة في مستودعات المستوردين، والتي كانت قد وصلت إلى لبنان وسُجّلت قبل صدور تعميم المركزي المتعلق بضرورة الحصول على الموافقة المسبقة، والبالغة قيمتها ما يقارب الـ180 مليون دولار أميركي. أما الأمل في تلك الانفراجة، فهو أن الفواتير العالقة في المستودعات تغطي معظم أصناف الأدوية وأصناف حليب الأطفال المفقودة في السوق، ويبدأ توزيعها صباح اليوم بإشراف الوزارة.
انتزعت وزارة الصحة الإقرار انتزاعاً، في محاولة لإعادة تصويب المسار، ومنعاً «لأي التباس»، خصوصاً في ما يخص الصلاحيات، التي أعاد التذكير بها حسن، أمس في مؤتمره الصحافي المشترك مع رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، والتي تتعلق بـ«دور وزارة الصحة في تحديد الأولويات الدوائية، على أساس أنها المرجعية الصحية والدوائية، ومن غير المقبول أن تسلم الوزارة اللوائح لتفند جهة في المصرف في الأولويات الواردة فيها». هذه السياسة «العجيبة» التي اتبعها المصرف والتي تعطي على سبيل المثال «موافقة لدواء قبل أن يصل إلى لبنان، فيما تطلب موافقة مسبقة لأدوية مهمة ومطلوبة وموجودة في المستودعات».