لم يعد الحديث عن قدرة القطاع الإستشفائي على الصمود مرتبطاً فقط بقدراته المالية إذ باتت قدرته الاستيعابية على المحك. فلم يشهد القطاع هذه الأعداد الهائلة من الجرحى والمصابين على مدار كل الحروب التي مرّت على لبنان. ولا يقتصر نزلاء المستشفيات على مصابي جريمة تفجير البايجرز واللاسلكي وهم بالآلاف بل على مئات الجرحى يومياً منذ اشتداد وتيرة القصف الإسرائيلي مطلع الأسبوع الحالي.
وقد بلغت القدرة الاستيعابية لمستشفيات المناطق التي تتعرّض للقصف ومنها مستشفيات ضاحية بيروت الجنوبية والجنوب والبقاع ذروتها، ما دفع بوزارة الصحة إلى العمل على تفريغ مستشفيات الضاحية من الحالات الباردة وهي الحالات المرضية المختلفة غير الطارئة، إفساحاً في المجال لاستقبال الجرحى.
وبحسب مصادر وزارة الصحة فإن عملية الإخلاء لمستشفيات الضاحية اليوم تأتي في إطار خطة الطوارئ التي وضعتها وزارة الصحة في وقت سابق والقاضية بتحويل عدد من المستشفيات إلى مستشفيات ميدانية تقتصر استقبالاتها على الحالات الطارئة فقط، لاسيما أن أعداد المصابين تتضاعف يومياً مع كثافة الغارات الإسرائيلية على الضاحية والجنوب والبقاع. ولكن هل لدى مستشفيات المناطق الآمنة في جبل لبنان والشمال القدرة على استيعاب أعداد المرضى الوافدين من مستشفيات الضاحية ومناطق الإستهداف؟
المستشفيات جسم واحد
ثمة مخاوف كبيرة من استنزاف ضراوة الحرب لقدرات القطاع الاستشفائي البشرية، كما المالية وربما أيضاً التقنية. وهذا ما يعيدنا إلى ما قبل الحرب الاسرائيلية على لبنان حين دخل القطاع الاستشفائي بأزمة كوادر بشرية، إذ لا يتجاوز عدد الممرضات والممرضين العاملين فعلياً في عموم مستشفيات لبنان 6000 ممرضة وممرض إلا أن عدد المسجّلين في سجلات نقابة الممرضات والممرضين يتجاوز 20200 شخصاً ما يعني أن أعداد الممرضين غير الفاعلين والمهاجرين تفوق 14 الف شخصاً.
وانطلاقاً من واقع تآكل الكادر البشري الإستشفائي أطلقت وزارة الصحة مؤخراً حملة تطوع لتعزيز الكادر التمريضي، وباشرت نقابة الممرضات والممرضين بدورها باستقبال ممرضات وممرضين جدد لمدّ المستشفيات في كافة المناطق بدعم بشري متخصّص. وبحسب نقابة الممرضات والممرضين فقد تم تسجيل نحو 400 ممرضة وممرض جدد توزّعوا على المستشفيات ومراكز الرعاية الصحية ومراكز الإيواء من أجل تقديم الرعاية للجرحى والمرضى من النازحين.
الإصابات كثيفة والقدرات ضعيفة
على الرغم من تزايد عدد الممرضىين والممرضات لا تزال المستشفيات تعاني نقصاُ بفعل ضغط وكثافة الحالات الطارئة، وبحسب نقابة أصحاب المستشفيات فإن عدداً كبيراً من المستشفيات، لاسيما منها الموجودة في بيروت الإدارية وجبل لبنان والشمال قد زادت عدد الأسرّة لديها بشكل استثنائي لتتمكّن من استقبال مرضى الحالات الباردة الوافدة إليها من المستشفيات الواقعة في المناطق المعرّضة للقصف الإسرائيلي لكن في المقابل فإن إمكاناتها أضعف من القدرة على تغطية كافة الحالات لأسباب مالية وأخرى تقنية.
وبحسب وزير الصحة فراس الأبيض فإن كل التغييرات التي تتم على أرض الواقع بالقطاع الاستشفائي مردها إلى خطة الطوارئ التي تم وضعها في وقت سابق ويتم العمل وفقها لجهة إستجابة المستشفيات وكأنها مستشفى واحد، تتقاسم الأعباء والمهام، وتعمل على توسعة الطاقة الاستيعابية ككل من خلال زيادة عدد الممرضين والأطباء والاختصاصيين، واستحداث أقسام جديدة بالمستشفيات وتوزيع الممرضات الممرضين المتطوعين على مراكز الرعاية الصحية الأولية وربطهم بمراكز الإيواء من أجل المساعدة بعملية المسح اللوجستي المتعلق بالإحتياجات الصحية للنازحين وتأمين الدعم المعنوي والنفسي والصحي.
أما مستشفيات الجنوب والبقاع فحالها يختلف عن حال مستشفيات بيروت، إذ تتعرّض لضغط كبير وتستقبل يومياً مئات الجرحى، وتواجه مستشفيات البقاع تحديداً أزمة نقص بغرف العناية المشدّدة، ونقص بالكوادر البشرية لتُضاف إلى النقص بالموارد المالية، ما دفع بوزارة الصحة إلى الإيعاز لوزارة المال بتحويل مستحقات المستشفيات سريعاً ونقداً لتخفيف الأعباء عنها.
بالمحصلة تحاول وزارة الصحة وبالتعاون مع كافة مؤسسات القطاع الإستشفائي من التعامل مع الحالة الطارئة بأقصى قدراتها لكن إلى أي مدى يمكن للقطاع الصمود فيما لو استمرت الحرب واتسعت أكثر.