قبل الكارثة بأيام، لوّح مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، أكبر المستشفيات الجامعية، بإقفال المركز الطبي، وهو ما يمكن أن بقضي على عشرة أضعاف ضحايا كارثة عكار، بسبب نفاد المازوت الذي «بات يُوزع بالقطارة على المستشفيات»، على ما يقول مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزف الحلو. أفلح التلويح في تأمين كمية من المحروقات للمستشفى، إلا أن القرار بالإقفال لم يسقط، وإنما أُرجئ. قبلها، لوّح مستشفى بهمن بالأمر نفسه بعد نفاد مخزونه من المازوت، وأعلن مستشفى المقاصد أيضاً عدم استقبال المرضى بسبب انقطاع المحروقات وفقدان كثير من الأدوية، واضطر مستشفى بيروت الحكومي لإطفاء التكييف في الأقسام الإدارية لأن 5 مولّدات كهربائية من أصل 7 باتت بلا مازوت.
اليوم، تعيش المستشفيات حالة تحلّل. هذا ما يقوله نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، الدكتور سليمان هارون. عوامل كثيرة أسهمت في الوصول إلى هذه الحال، أولها الأزمة الاقتصادية ـ المالية التي بدأت قبل عامٍ ونصف عام تقريباً، مع بدء تراجع سعر صرف الدولار، لتستعر الأزمة في الأشهر الأخيرة مع تلكّؤ مصرف لبنان في فتح الاعتمادات لاستيراد الدواء ومن ثم امتناع شركات استيراد الأدوية والمستلزمات عن الاستيراد. هذه «اللازمة» أدّت إلى فقدان الأدوية «من أبسطها كالمسكّنات وخوافض الحرارة وصولاً إلى العلاجات الكيميائية»، يقول هارون.
أدّت هذه الأمور، مجتمعة، إلى تعاظم هجرة الأطباء والممرّضين. الجهات الرسمية تقدّر عدد من هاجروا من هؤلاء بنحو 4000 (1600 ممرض وممرضة وأكثر من 2000 طبيب)، لكنّ التقديرات تتخطى ذلك بكثير، لأن عدداً لا بأس به من هؤلاء هاجروا من دون الحصول على إفادة من النقابة. تكفي مثلاً الإشارة إلى أن أحد المستشفيات الجامعية الكبرى خسر أخيراً 25% من طاقمه التمريضي. والقلق من هذه الهجرة لا ينحصر في الأرقام بقدر ما هو بمراكز هؤلاء واختصاصاتهم، اذ أن «معظم من سافروا هم من أصحاب الكفاءة ويصعب إحلال آخرين مكانهم»، على ما يؤكد هشام فواز، رئيس دائرة تجهيز المستشفيات في وزارة الصحة.
اليوم، لم تعد المشكلة في المستشفيات مشكلة أسرّة، بل «مشكلة مادية»، على ما يقول حلو. فأسعار المستلزمات الطبية باتت «10 أضعاف السعر الرسمي»، بحسب هارون. كما أنها «مشكلة أدوية وتعرفات استشفائية مسعّرة على أساس سعر الـ1500 منذ 20 عاماً». صحيح أن لجنة لتعديل التعرفات الاستشفائية شُكّلت، إلا أنها وصلت إلى طريق مسدود، بعدما رفضت نقابة أصحاب المستشفيات رفع التعرفة بنسبة 66%، «فيما الأسعار زادت 1000%»، يقول هارون. لذلك لا اتفاق إلى الآن على تعرفة واضحة، في مقابل استمرار الفوضى. وهذا ما يتجلّى في تحميل القادرين من المرضى فروقات الفواتير الاستشفائية. أما غير القادرين، فقد باتت وجهتهم المستشفيات الحكومية «التي زاد الضغط عليها 4 أضعاف»، بحسب حلو. اليوم، تصارع المستشفيات كي تبقى. وهذه سمة عامة لكل المؤسسات الاستشفائية التي يواجه بعضها خطر الإقفال، عاجلاً أم آجلاً.