المشهد الاستثماري مرشح لتحولات رئيسية بعد كورونا

ربما تكون السياسات المالية والنقدية التي نفذتها الحكومات والبنوك المركزية لتلافي تداعيات جائحة كورونا قد نجحت في إنقاذ العالم من خطر الكساد الاقتصادي، ولكنها قد تكون لها كلف باهظة على عالم الاستثمار في المستقبل حسب مراقبين.
وحتى الآن أدت جائحة كورونا إلى مزيج من الأزمات لم يشهد مثلها العالم في تاريخه الحديث، إذ أدت الجائحة إلى اضطراب في أسواق المال وعطلت النمو الاقتصادي العالمي ورفعت كلف الصحة العامة في الدول.

وضربت سياسة الفائدة السالبة التي اتبعتها المصارف المركزية في أوروبا واليابان حتى قبل جائحة كورونا العائد على الادخار وربحية البنوك التجارية، ومن المتوقع أن تكون تداعياتها أكبر في المستقبل.

ويرى كبير الاقتصاديين بصندوق الثروة السنغافوري، براكاش كينانان، في تحليل بمنتدى مؤسسات النقد والمال العالمي، يوم الثلاثاء، أن جائحة كورونا ستقود إلى تحول في مشهد الاستثمار العالمي بطريقتين، إحداهما أنها ستهدد في المستقبل بارتفاع معدل التضخم في حال مواصلة البنوك المركزية تبني سياسة الفائدة المنخفضة بعد تعافي النشاط الاقتصادي وتنامي الاقتصادات العالمية الكبرى بمعدلات سريعة وبنسبة أكبر من التوقعات المرسومة لها. وعامل ارتفاع التضخم سيؤثر على الاستثمار في أدوات المال الثابتة وسيرجح الاستثمار في أسواق المال، مما سيرفع من مخاطر “فقاعة الأسهم” أكثر ويضرب نوعية الأصول الممتازة في أسواق المال.

أما الخطر الثاني الذي يشير إليه البروفسور كينانان فهو أن حركة العملات ستلعب دوراً كبيراً في مستويات العائد على الاستثمار في أدوات المال بعد نهاية جائحة كورونا، إذ إن المستثمرين سيهربون من العملات الخطرة، وبالتالي ستضطر الحكومات بالدول النامية لخفض سعر صرف العملات.

ومن المخاطر الكبرى التي قد يتعرض لها المستثمرون بعد جائحة كورونا احتمال تدهور سعر صرف الدولار مقابل عملات رئيسية في سوق الصرف العالمي، بسبب التدفقات الهائلة للكتلة الدولارية في السوق العالمي، إذ ضخ مصرف الاحتياط الفدرالي ” البنك المركزي الأميركي”، قرابة 3 ترليونات دولار حتى الآن في السوق الأميركي. وهذا العامل إذا ما تبعه تراجع العائد على السندات الأميركية، فإنه سيحاصر المستثمرين في السوق الأميركي الذي يعد الأكبر في العالم.

ويواجه المستثمرون حالياً أزمة العائد الضعيف في العديد من المجالات الاستثمارية، وهو ما يدفعهم نحو شراء الذهب الذي ارتفع سعره في السوق الفوري فوق 2005 دولارات للأوقية ” الأونصة”، كما ارتفع كذلك سعر الفضة. ويدفع البحث عن عائد مجزٍ المستثمرين منذ الشهر الماضي نحو شراء أدوات المخاطر العالية في الأسواق الناشئة.
على صعيد أسواق المال، يرى العديد من كبار المستثمرين أن مؤشرات أسواق المال استردت معظم خسائرها خلال الشهور الماضية واقتربت تقريباً من المستويات القياسية التي كانت عليها قبل تفشي جائحة كورونا وإغلاق الاقتصادات. وبالتالي فإن العديد من أسهم القطاعات باتت مرتفعة فعلاً، وهنالك توقعات ضئيلة بحدوث ارتفاع كبير في أسهمها خلال العام الجاري. وهنالك أسهم قطاعات قليلة قابلة للارتفاع في المستقبل من بينها الطيران والفنادق والسياحة التي لا تزال أسهمها منخفضة، ولكن المستثمرين غير متيقنين حول متى ستنتهي جائحة كورونا ليعود النشاط لسوق السفر والسياحة حتى يشتروا هذه الأسهم.

يذكر أن المستثمر العالمي وارن بيفت باع جميع الأسهم التي كان يملكها في شركات الطيران الأميركية بعد تكبده خسائر فادحة، وقال في تعليقه على المبيعات ” العالم تغير”. وكان مؤشر “ستاندرد آند بوورز 500” الذي يقيس أداء سوق “وول ستريت” الأميركي قد خسر بين 19 فبراير/ شباط و25 مارس/آذار نحو 33.9% من قيمته السوقية، ولكن المؤشر عاد للارتفاع خلال الشهر الماضي مقترباً من مستوياته القياسية.

على صعيد قطاعات العقارات التجارية التي ظلت لفترة طويلة من الاستثمارات المفضلة لدى صناديق الاستثمار وشركات إدارة الثروات مقارنة بالسندات والأسهم، إذ إنها تجمع بين العائد الآمن المجني من الإيجارات والنمو المتواصل لقيمة رأس المال المستثمر، فإنها باتت تعاني بعد جائحة كورونا من عمليات الإغلاق والتحول للعمل من المنازل. ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كانت الشركات ستعود لإشغال المكاتب بنفس الكثافة التي كانت عليها، خاصة في عواصم المال الرئيسية في لندن ونيويورك وفرانكفورت وسنغافورة، أم أنها ستراجع عمليات الإشغال لصالح العمل من المنازل.

ويراهن بعض المستثمرين على أن حدوث ارتفاع سريع وكبير في النمو الاقتصادي العالمي سينعش قطاع العقارات التجارية. في هذا الشأن قال رئيس وحدة الثروات الشخصية بمصرف يو بي أس، السويسري، جو ستادلر “لا يبدو واضحاً ما إذا كنا سنرى مزيدا من الطلب على العقارات بسبب العزل الاجتماعي أو أقل بسبب المكاتب المنزلية”.

أما بالنسبة لصغار المستثمرين، فإن المستثمر الباحث عن دخل على ادخاراته سيواجه مشكلة حقيقية، إذ إن العائد على حسابات الادخار أصبح يقارب الصفر وربما سيستمر ذلك لفترة طويلة، كما أن معظم الشركات توقفت عن دفع توزيعات على أرباح الأسهم خلال العام الجاري وربما يستمر ذلك لفترة أطول من العام الجاري.

مصدرالعربي الجديد
المادة السابقةبنك إنجلترا يبدي مزيداً من الحذر ويتوقع خسائر معتدلة للمصارف
المقالة القادمةالسعودية والعراق يؤكدان إلتزامهما التام بإتفاق “أوبك+”