بعد أن خفّض المصرف المركزي سقف عمليات شراء الدولار على منصة صيرفة إلى حدود المئة مليون ليرة، قامت المصارف بردّ أموال طالبي الشراء بالليرة، وأبقت على مئة مليون فقط، بعد أن أبلغت الزبائن بحاجتها إلى ما بين 6 و8 أيام عمل قبل تسليم الدولار. مرّت الأيام الستة وبعدها الثمانية ولم تسلّم المصارف الدولارات، بمقابل وصول سعر الصرف في السوق السوداء إلى الخمسين ألف ليرة، بظل ترقب ما قد يصدر عن المصرف المركزي لناحية التعاميم الجديدة، التي يُفترض العمل بها بداية شهر شباط المقبل، وتحديداً رفع سعر الدولار الرسمي إلى 15 ألف ليرة.
صيرفة متوقفة والخوف من تغيير سعرها
يوم الإثنين الماضي، اجتمع المجلس المركزي للمصرف المركزي للتباحث بشأن الاوضاع المالية، وتسّربت بعض المعطيات التي توحي بأغلبها باقتراب صدور تعاميم جديدة تتعلق بصيرفة والدولار الرسمي (راجع “المدن”)، وهذا الأمر أدى ببعض المصارف لوقف عمليات صيرفة بشكل كامل، والتأخر بتسليم الدولار للزبائن، وهو ما ترده إدارات المصارف إلى تأخر المصرف المركزي بتسليمها الدولارات المطلوبة، علماً، أنه حسب معلومات “المدن”، فإن المصارف حصلت على الدولارات المطلوبة. وتُشير المعلومات إلى أن المصارف تُبلغ الزبائن بضرورة الانتظار 8 أيام عمل على الأقل للحصول على الدولارات، وهو ما يجعل صيرفة للأفراد رهاناً خطيراً، لأن سعر الصرف قد يتغير كثيراً خلال أسبوعين.
لم تنجح “صيرفة” بالقيام بما كان متوقعاً منها، تقول مصادر مصرفية متابعة، مشيرة إلى أنها شبه متوقفة عن العمل اليوم، وهو ما أدى لزيادة الطلب على الدولار بالسوق السوداء، ورفع السعر إلى الخمسين ألفاً، مشيرة إلى أن الجميع بانتظار ما قد يصدر عن المصرف المركزي من تعاميم، خصوصاً بظل وجود معلومات لدى المصارف باحتمال تغيير سعر صيرفة.
تكشف المصادر أن معلومات وصلت إلى المصارف عن إمكانية حصول تغييرات كبيرة في تطبيق “صيرفة”، بدءاً من الشروط المطلوبة للاستفادة منها للأفراد، والمدة الزمنية، بعد منع المؤسسات والشركات من الاستفادة من دولارها، وصولاً إلى معلومات عن إمكانية تحديد سعرين للدولار عبرها، الأول يكون لعمليات شراء الدولار، وهو قد يكون 38 ألفاً أو ربما أكثر، والثاني يكون للحصول على رواتب الموظفين من خلاله، بعد أن فقدت كل الزيادات في القطاعين العام والخاص مفاعيلها الإيجابية مع ارتفاع سعر الصرف. إذ أن المواطنين رفعوا حجم رواتبهم بالليرة، لكنها انخفضت بالدولار، مشيرة إلى أن هذا الضياع وعدم وضوح الصورة أدى لتعليق العمل بصيرفة ريثما تتوضح الصورة من قبل المعنيين.
توقعات تجار السوق السوداء: حروب ومضاربات
في السوق السوداء، الذي وصل فيها سعر الصرف إلى 50500 ليرة في بيروت، و50700 في شتورا، يوم الخميس، التي عادة ما تكون الأسعار فيها الأعلى بسبب قربها من سوريا، يسود قلق وترقّب، يقول أحد تُجار هذه السوق لـ”المدن”، متحدثاً عن خوف لدى الصرافين من شراء الدولار بكميات كبيرة، لأنهم يتوقعون انخفاضاً في سعر الصرف يسببه مصرف لبنان عبر تعاميمه لـ”تنفيس” السوق، كما كان يفعل دائماً، متوقعاً أن تحدث التنفيسة بعد تخطي الدولار الخمسين ألفاً بقليل حتى الـ52 ألفاً، كاشفاً أن بعض الصرافين يشترون الدولار بأقل من سعره بـ 300 ليرة على الأقل، سبب الخوف.
ارتفاع السعر إلى ما فوق الـ50 ألفاً سببه المضاربات بين تجار الدولار الكبار وممارسة ألعاب الرهان على عمليات شراء وبيع مؤجلة، يقول التاجر، كاشفاً أن المصرف المركزي توقف عن طلب الدولار منذ فترة قصيرة، ومن كان يطلب له الدولار بكميات كبيرة تتخطى المليون دولار في اليوم أحياناً، توقف عن ذلك مؤخراً. لكن الطلب على الدولار ما زال كبيراً، ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار. معتبراً أن “الطلب المرتفع” يعني وجود مضاربات على مستوى كبير جداً، تصل إلى حد تسميتها بالحرب بين الأقطاب (مركزيات)، والمقصود بها مجموعات “الواتساب” التي قد تجمع تجار الدولار في منطقة جغرافية واحدة، أو تجار دولار من مناطق متعددة، علماً أنه بتجارة الدولار في كل منطقة يوجد “مركزية” قوية وتُجار معروفون يسيطرون على دولار مناطقهم، فعندما “يغيب القط يلعب الفأر”، في إشارة إلى غياب المصرف المركزي، الذي يفتح مجالاً لكبار المضاربين للعب بسعر الصرف كما يريدون.
باستغراب كبير يتحدث التاجر عن ارتفاع سعر الصرف، لأن الأسباب سابقاً كانت واضحة، وهي شراء الدولار من قبل مصرف لبنان عبر أذرعه بالسوق السوداء وبكميات كبيرة، وإخراج دولارات من السوق إلى الخارج. لكن اليوم المركزي توقف عن الشراء. وإن فعل فبكميات قليلة. ورغم ذلك، لا تزال الأسعار ترتفع. وهذا دليل على غياب المصرف عن التأثير بالسوق، لأن صرافي السوق السوداء يمكنهم رفع السعر ولا يمكنهم خفضه.