المصارف للمودعين: عقود “إذعان” بمفعول رجعي

إستباقاً للقرارات القضائية، وتحسباً لإقدام مجلس النواب على تشريع قانون ضوابط رأس المال، بدأت المصارف إلزام المودعين بتوقيع عقود “إذعان”، تجعل منها الآمر الناهي بالتصرف بالحسابات. التوقيع على هذا العقد يعني: خسارة صاحب الحساب القائم قبل 17 تشرين الأول 2019 الحق بطلب تحويل أمواله أو جزء منها إلى الخارج، أو مطالبة المصرف بالحصول على العملة النقدية Banknote، وعدم اعتبار تسليم المصرف جزءاً من الودائع بحسب التعميم 158 نقداً التزاماً دائماً من قبله، والاعتراف بصورة نهائية بأن الشيك وسيلة إبرائية مقبولة.

المصارف وضعت المودعين أمام خيارين أحلاهما مر: إما الرضوخ للعقد، وإما إقفال الحساب وإيداعه بواسطة شيك مصرفي لدى الكاتب العدل، متجاوزة بذلك قانون السرية المصرفية الذي لطالما تغنت به، واستقتلت في الدفاع عنه في وجه التدقيق الجنائي ودعاوى تهريب الأموال لنافذين، من مصرفيين وسياسيين إلى الخارج.

أخطر ما في عقد الإذعان هذا، الذي يخرق مجموعة من القوانين الداخلية والخارجية، ويميز بين المودعين بحسب الجنسية، أنه يأتي بمفعول رجعي. فالمودع الذي يوقع على العقد لا يعود يحق له مطالبة المصرف بتطبيق قانون الدولار الطالبي رقم 193 أو محاسبة المصرف المتلكئ، في حال إقرار التعديلات المطلوبة من رئيس الجمهورية والتصويت عليها في مجلس النواب والتي تنص على السماح للطلاب أو ذويهم بتحويل 10 آلاف دولار بحسب سعر الصرف الرسمي إلى الخارج، واعتبار امتناع المصرف عن تحويل المبلغ عملاً جرمياً بإساءة الأمانة واختلاس الوديعة، وتطبق عليه في هذه الحالة العقوبات المنصوص عليها في المادة 670 من قانون العقوبات.

مرة جديدة، تتعامل المصارف مع زبائنها بسوء نية، محاولة استباق التشريعات والخطة الإصلاحية المفترض بها إنصاف المودعين. وإذا كانت البنوك تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية عما آلت اليه الأمور، فان انعدام الاصلاحات الحكومية وعدم وجود خطة اقتصادية لاعادة هيكلة القطاع المصرفي طيلة السنوات الثلاث الأخيرة فاقما الأمور سوءاً وزادا من استنسابية المصارف وتسلطها على المودعين، فتكاتفت مع بعضها البعض على تطبيق معايير لا تمت إلى العمل المصرفي بصلة، مستفيدة من ضعف الرقابة سواءً من مصرف لبنان أو من لجنة الرقابة على المصارف.

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةمعمل سلعاتا يؤخّر إقرار خطة منقّحة للكهرباء
المقالة القادمةالأبيض: أموال الدعم غير كافية و70 في المئة منها للأمراض السرطانية والمستعصية