أزمة خلافية جديدة وقعت بين المصرفيين انفسهم والتجار والهيئات الاقتصادية على خلفية مشروع قانون أعدته الحكومة ويقضي بفرض ضريبة على المقترضين الذين استفادوا من قروض بغير قيمتها الحقيقية بعد اندلاع الأزمة عام 2019 وحققوا أرباحاً غير متوقعة.
يستهدف مهندسو المشروع أن تُخصص العائدات من الضريبة على القروض لصندوق استرداد الودائع باعتبار أن عمليات الإقراض تمت بطبيعة الحال من أموال المودعين. وبصرف النظر عن أهمية استرجاع جزء من أموال المودعين، لكن ثمة الكثير من الأسئلة المشروع طرحها قبل فرض ضريبة على المقترضين الذين استفادوا من فارق سعر الصرف.
ألا تُعد عملية سداد المصارف للودائع على سعر 15000 ليرة للدولار أرباحاً غير مشروعة؟ ألا تستحق عملية استفادة المصارف من فارق سعر الصرف فرض ضريبة أو ما شابه؟ ثم من هم أولئك المقترضون الذين سيكلّفون بالضريبة؟ ألا يجب كشف السرية عن حساباتهم والتمييز فيما بين المقترضين منهم لدواعي تجارية او استثمارية واولئك المقترضين بداعي الإستهلاك؟
اقتراح غير دستوري؟
كل أزمات المصارف اساسها قروض، والمقترضون هم أساس الأزمة في لبنان، وليس كل الفساد المصرفي مرتبط بالودائع إنما يرتبط بغالبيته بالقروض. من هنا ترى الخبيرة القانونية والرئيسة التنفيذية لمؤسسة juriscale سابين الكيك، في حديثها الى “المدن”، أن فتح ملف القروض ضرورة لأن القروض هو حجر الفساد الأساسي في البلد. لكن لماذا لا تُفرض الضريبة على المصارف التي تسدد الودائع على 15000 ليرة للدولار. أليس هذا ربحاً غير مشروع؟
تنتقد الكيك مشروع فرض الضريبة على القروض وتصفه بغير الدستوري وبأنه لا يستوفي خصائص الضريبة. إذ لا يمكن فرض ضريبة بفعول رجعي ولا بغير قانون مسبق وواضح، هذا من حيث الشكل. أما من حيث التطبيق، فكيف يمكن ضمان حسن تطبيق واستيفاء هذه الضريبة وهل يمكن الحصول على ملفات التسليفات من المصارف؟
وتلفت الكيك إلى أنه لا يمكن التمييز بين القروض ما دون 100 ألف دولار وفوق 100 ألف دولار. مشيرة إلى أن هذه الأرقام وآليات التمييز غير سليمة “فالتمييز يجب أن يكون على أساس الاستهلاك العادي أو التجاري، أي بين مَن اقترض للاستهلاك، ومن اقترض للإتجار والاستثمار. فالأخير لديه إمكانية الاثراء من فارق سعر الصرف. أما الأول حتى ولو كان قرضه يفوق 200 أو 300 ألف دولار، فإنه اقترض للاستهلاك ولم يحقق ربحاً منه”.
في المقابل يؤكد رئيس لجنة حماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، والخبير في الشؤون المالية والضرائبية، المحامي كريم ضاهر، في حديثه لـ”المدن”، دستورية مشروع قانون الضريبة على القروض قائلاً “القانون غير مخالف للدستور. فأي إيراد إن كان تجارياً أو غير تجاري، هو خاضع للضريبة، ومَن استفاد من فارق سعر الصرف وحقق أرباحاً من القروض على حساب المودعين، عليه تحمل مسؤوليته. من هنا سيتم تخصيص غيرادات الضريبة على القروض لصالح المودعين فقط دون سواهم”.
التمييز..
وتشير أرقام جمعيّة المصارف إلى تراجع تسليفات المصارف للقطاع الخاص بالعملات الأجنبية من 38.2 مليار دولار في أيلول 2019، إلى 8.9 مليار دولار في نيسان 2023، أي بتراجع يقارب 30 مليار دولار. وحسب مشروع القانون، فالضريبة المقترحة يجب أن تقع على هذه الأموال تحديداً.
ثمة من يؤكد أن مشروع القانون لن يشمل القروض السكنية وقروض التجزئة كقروض التعليم والطبابة والسيارة والسفر وغير ذلك. بل سيطال القروض التجارية والصناعية والاستثمار العقاري وغيره. لكن في المقابل يوضح ضاهر أن الضريبة ستميز بين القروض ما دون 100 ألف دولار وما يزيد عن هذا المبلغ، وليس على أساس نوع القرض.
وإذ يشدد ضاهر على ضرورة إعفاء شريحة من المقترضين من الضريبة، وهم من اقترضوا دون 100 ألف دولار باعتبارهم غير مقتدرين، يلفت إلى أن هذا التمييز إيجابي بين المكلفين بناء على حجم الاستفادة من فارق سعر الصرف. مؤكداً إمكانية الاطلاع وفق القانون على كامل ملفات المقترضين من المصارف.
ويرى ضاهر أن من سيقف بوجه هذا القانون في مجلس النواب سيكون مستفيداً من عمليات الإقراض أو أنه من المدافعين عن من استفاد من فوارق سعر الصرف في سداد القروض.
أين المصارف من الاقتراح
تنقسم المصارف بين مؤيد لمشروع قانون فرض ضرائب على المقترضين ورافض له. وعلى الرغم من أن قلة من المصارف تؤيد المشروع، إلا أنها مستعدة -حسب المصادر- للتعاون على فتح ملفات المقترضين وتطبيق القانون حين إقراره. أما غالبية المصارف فترفض الاقتراح، ويعود ذلك إلى عدة أسباب، أبرزها أن العديد من المدراء ورؤساء مجالس الإدارة كانوا ضالعين في عمليات الإقراض المدعوم. وقد اقترضوا الملايين من الدولارات من مصارف أخرى وسهلوا اقتراض عائلاتهم، ومنهم من حول أمواله بما فيها القروض إلى الخارج.
وإذا ما عدنا سنوات قليلة إلى الوراء نذكّر بدراسة أعداتها لجنة الرقابة على المصارف، تكشف فيها عن عشرات ملايين الدولارات تم إقراضها بموجب قروض سكنية مدعومة، لقضاة وسياسيين ونافذين، منهم رئيس الهيئة الاتهامية في محكمة استئناف بيروت القاضي ماهر شعيتو، الذي حصل على قرضين سكنيين بقيمة 2.2 مليون دولار، وقاضية التحقيق في جبل لبنان رندا يقظان، التي حصلت على قرضين سكنيين بقيمة 817 ألف دولار، والمحامي العام في النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان، القاضي نادر منصور، الذي حصل على ثلاثة قروض سكنية بقيمة 2.5 مليون دولار، والمستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، نديم المنلا، وابنته ناديا روث، الذي حصل على قرض سكني مدعوم بقيمة 3 ملايين دولار، وعلي قبلان قبلان ابن رئيس مجلس الجنوب قبلان قبلان، الذي حصل على قرضين سكنيين بقيمة 866 ألف دولار، وشركات مملوكة من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وشقيقه طه وأولادهما الذين حصلوا على 10 قروض مدعومة لشراء شقق سكنية، بلغت قيمتها الإجمالية 34.1 مليون دولار، بالاضافة إلى قروض ممنوحة من بنوك البحر المتوسط وسوسيتيه جنرال وبنك لبنان والخليج وسواها إلى شركات مملوكة من البنوك نفسها، وقروض أخرى لمدراء البنوك من بنوك أخرى.
من هنا ترى الكيك انه لا بد من المحاسبة بملف القروض المشروعة وغير المشروعة والفساد الناجم عنها، لكن ليس من خلال مقاربات عشوائية هوجاء لا تحترم أصول فرض الضرائب. وتقول “إذا أردنا أن نحاسب من استفاد من فارق سعر الصرف، فالمستفيد الأول هو المصارف”. وقبل أن نفرض الضريبة على المقترض علينا أن نسأل من استفاد من الأزمة، ومن انهيار العملة حتى اليوم. أليست المصارف؟ ثم لماذا لم نبدأ بفرض ضريبة على المصارف التي لا تسدد الودائع بقيمتها الحقيقية؟ فهي أول من استفاد من فارق سعر الصرف. ولماذا لا تفرض الضريبة على تخمينات العقارية للمصارف؟
وتعود الكيك إلى أصل الأزمة المالية المصرفية في لبنان، وتنسبها إلى القروض غير المشروعة: “القروض التي توضع في خانة القروض غير المشروعة، تبدأ من إقراض الدولة عبر سندات اليوروبوندز، وتصل إلى القروض المدعومة لسياسيين وقضاة ونافذين، وغيرها من القروض المدعومة التي كان يقدمها مصرف لبنان للتجار بالليرة، ليحولونها إلى دولار ويفتحوا فيها اعتمادات خارج البلد. كل تلك الممارسات توضع في خانة القروض غير المشروعة”. لذلك، الحل لا يكون بهذه البساطة، أي بفرض ضريبة على المقترضين الذين استفادوا من فارق سعر الصرف، إنما بحل شامل يبدأ من المصارف.