أطلق مصرف لبنان في 26 حزيران الماضي «منصّة صيرفة»، تتألّف من المصرف المركزي والمصارف والصيارفة، وذلك للتداول بالنقد الأجنبي، مهمتها القضاء على المضاربات وتهميش السوق السوداء.
حدّدت هذه المنصّة سعر شراء للدولار عند الصرافين بـ 3850 ومبيع بـ 3900. هذه المنصّة لم تفشل فقط في تحقيق أهدافها، بل نَزفت دولاراً عزيزاً، وسجّلت تفرّد السوق السوداء في تسعير الدولار الأميركي.
كما بات معروفاً، المنصّة 2 مُهّد لولادتها في اجتماع عُقد بعيداً من الأضواء، جمع حاكم البنك المركزي مع أحد مستشاري رئيس الجمهورية الاقتصاديين، وأُعلنت عقب اجتماع لاحق عُقد بين حاكم المصرف المركزي ومستشار آخر في القصر الجمهوري. كما في المنصّة 1، حدّد المصرف المركزي الهدف، وهو توفير النقد الأجنبي لتلبية حاجات لبنان الاقتصادية وخلافها، استيراداً وتصديراً بشقيها المدعوم وغير المدعوم، وتهميش السوق السوداء.
بقي الشركاء في المنصّة هم أنفسهم: المصرف المركزي، المصارف والصيارفة، مع فارق يتمثل بالسماح للمصارف بمبيع وشراء الدولار نقداً، وفقاً لآليات عملانية داخلية وآليات عمل ومراقبة وضبط، يحدّدها مصرف لبنان المركزي. وآخر تمثلّ باعتماد انطلاقة سعر صرف الدولار في حدود 10 آلاف ليرة.
من هذا المنطلق، نرى أنّ التحدّي الأكبر يكمن في إمكانية قيام المصارف بدورها المرتجى في عمل المنصّة. مبدئياً وعملياً، قد يكون من جهة من الحكمة ألّا تستعمل المصارف ما هو متوافر لديها من سيولة في حساباتها لدى المصارف المراسلة، في أعمال الصرافة النقدية. ومن جهة أخرى يعتمد هذا الدور على قدرة المصارف، على إعادة تكوين وتعزيز حصتها في سوق تحويلات اللبنانيين من الخارج، واستحواذ حصّة من سوق الصيرفة النقدية سواء من الزبائن المارين على المصرف، ووفقاً لما تسمح به المنصّة، أو لجهة شراء الدولار النقدي الناتج من تحويلات الـ FRESH MONEY التي تتمّ عبرها.
أضف إلى ذلك، والأهم في رأيي، أنّ إدارة سوق النقد خصوصاً والسياسة النقدية عموماً، تتعدّى بأشواط المفاهيم التقنية والأطر العملانية وجدّية آليات الرقابة وأجهزتها، لتتواءم عضوياً ومصيرياً مع مناخ الأعمال وكل مدخلاته الاقتصادية والمالية والسياسية والاجتماعية الخ…
وعليه، نخشى أن يكون مصير المنصّة 2 كسابقتها، ويعزز خشيتنا إضافة إلى ما أوردنا آنفاً، التجاذب السياسي الحاصل الحاد والعنيد، والذي تتعمّق هوته يوماً بعد يوم، ووساطة بعد وساطة ومبادرة بعد مبادرة.