لا حياة لمن يتّصل بالخط الساخن لحماية المستهلك (1739) أو بوزارة الاقتصاد للمراجعة أو الشكوى. وهذا الخطّ، اليوم، هو “حاجة” للمستهلك في ظلّ الفوضى العارمة التي تمسّ أمنه الغذائي وحياته اليومية التي انقلبت رأساً على عقب. ومع طلب وزير الاقتصاد راوول نعمة تبديل الأسعار نسبة إلى انخفاض أسعار الصرف، جالت “نداء الوطن” على عدد من السوبرماركات في المتن، وكسروان، وجبيل لتقارن وتعاين مدى الالتزام بطلبه، فوجدت حججاً لدى أصحاب بعض المتاجر لتسويغ عدم تعديل الأسعار بعد؛ لأنَّ “لائحة المنتوجات كبيرة” أو لأنَّهم “سيفعلون ذلك في الأيام القادمة”.
وخلال هذه الأيام لا يعرف المواطن إن كان سيعود سعر الصرف إلى الارتفاع أم لا. وبينما هو ينتظر الفرج يتخطّى الفرق في أسعار زيت دوّار الشّمس، من ماركة واحدة مثلاً، بين المتن وجبيل الـ 37 ألف ليرة، والجبنة من النوع نفسه 5 آلاف ليرة بين كسروان والمتن، والنسكافيه بين المتن وجبيل وكسروان 27 ألف ليرة؛ أمَّا الحبوب – حيث لكلّ متجرٍ ماركته الخاصة – فيصل الفرق بين المناطق الثّلاث إلى 20 ألف ليرة، في حين أنَّ المعكرونة من علامات تجارية مختلفة يصل الفرق فيها إلى الـ 15 ألف ليرة، وينسحب الأمر نفسه على الحفاضات من العلامة والمواصفات نفسها، وعلى موادّ التّنظيف أيضاً.
ولا يمكن، وفق الباحث في الدّوليّة للمعلومات محمّد شمس الدّين، فهم تبدّل الأسعار أفقيّاً أي نسبة إلى سعر الصرف أو عموديّاً نسبة إلى سوبر ماركت وآخر؛ إذ إنّه أحياناً يختلف السعر في اليوم الواحد بنسبةٍ تفوق 10 آلاف ليرة للمنتج نفسه ليصل إلى 70 ألفاً وما فوق، وبنظره أنَّ هذا يعود إلى التسعير، ويعتمد الأمر على أي سعر صرف يتم اعتماده للتسعير. ويعني هذا عملياً أنَّ هامش الربح أكبر، إذ يبيع التاجر على الليرة اللبنانية بأكثر ممّا اشتراه، وهو ما يفسّر سبب حصول كلّ هذه الفوضى لانعدام الرقابة؛ فكل متجر يعتمد سعر صرفٍ كما يريد؛ لذا هناك تباين في الأسعار سيستمرّ مدَّةً طويلة جدّاً ما دام الاستقرار في سعر الصرف مفقوداً.
فهذه الفوضى في الأسعار ليست قائمةً بين متجر وآخر فحسب، بل بين منطقة وأخرى حسب مريم (متن)، ولكنّها تُشدّد على أنَّ التّلاعب بالأسعار متكرّر أكثر من غيره على صعيد بعض المنتوجات وخصوصاً المنتوجات الغذائية، “فالعين مفتوحة عليهن” شارحة أنَّ كلَّ سوبر ماركت يعدّل في القيمة النهائية من جدواه الاقتصادية وفق منطق الربح والخسارة، فيغيّر الأسعار على أساسها، وهذا يعني عملياً أنَّ الجميع يتلاعب بالأسلوب نفسه، وعلى المستهلك أن يكون أذكى منهم، ويشتري ما يحتاجه “على القطعة”؛ لأنَّ هذه استراتيجية التجّار لجذب الزبائن. والدليل؟ وفق مريم هو أنه في الطوابق الأخرى من السوبر ماركت التي فيها موادّ غير غذائية لا ترتفع الأسعار ولا تبدّل إطلاقاً قائلة: “إذا كان لا نيّة صادقة لتخفيض الأسعار، فيعوضون بين منتج وآخر”.
ويؤكّد الخبير الاقتصادي طوني سعادة أن لا نظرية اقتصادية لدراسة ما يحصل، ولا كلمة تصفه إلّا “الفوضى” اليومية، ولضبط الأمور تحتاج وزارة الاقتصاد إلى فريق عمل ضخم، وهذا غير متوفّر؛ وخصوصاً أنّ تقلبات سعر الصرف هي التي أفسحت المجال لتتمدّد الفوضى التي تتفوق على المنطق الاقتصادي. ولذلك أصبح المستهلك غير قادر على تحديد ميزانيته الشهرية؛ إذ يعتمد سعر الصرف على الأخبار السياسية المتداولة والتطبيقات الخاصّة بالدولار.