تنتظر الموازنة العديد من الألغام في المجلس النيابي، بعد المسار المتعثّر في الحكومة. أولى تلك العقبات هي الضريبة على المتقاعدين والتدبير رقم 3. وفيما تشيع الأطراف السياسية أجواءً إيجابية، استمر التشكيك في تحقيق مشروع الموازنة الشروط المطلوبة دولياً
بعد جهد جهيد ونقاشات مستفيضة في الحكومة، وصل يوم أمس مشروع موازنة 2019 إلى المجلس النيابي. وفيما يبدي رئيس الحكومة سعد الحريري ارتياحاً لناحية الانتهاء من النقاشات في الحكومة، من ضمن ارتياح عام تعبّر عنه القوى السياسية إرضاءً لضغوط القوى الدولية وداعمي مؤتمر “سيدر”، جاء موقف الوزير جبران باسيل أمس متوقّعاً بترحيبه الحذر، واعتباره أن “ما تمّ تحقيقه في الموازنة كثير، لكن ما لم يتمّ تحقيقه أكثر”.
ومع الأجواء الإيجابية التي تحاول السلطة تعميمها، إلّا أن الضغط الدولي مستمرّ، عبر التشكيك في الإصلاحات التي تضمنتها الموازنة. وبدا لافتاً أمس في ذات السياق، الموقف الذي أعلنته سريعاً وكالة التصنيف “ستاندرد أند بورز”، أن “خطة الموازنة في لبنان لخفض العجز لا تكفي لاستعادة الثقة”. وقالت الوكالة إن إعلان خفض العجز إلى 7.6 بالمئة من الناتج المحلي، بعدما تجاوزت عتبة الـ11 في المئة العام الماضي، “قد لا يكون كافياً في حد ذاته لتحسين ثقة المودعين والمستثمرين غير المقيمين، التي تراجعت في الأشهر الأخيرة”. وأضافت، بحسب وكالة “رويترز”، أن “عدم تحقيق الهدف الجديد أمر وارد، ولا سيما أن أي إجراءات لخفض التكاليف ستطبق فقط في النصف الثاني من العام”. وقالت المحللة المسؤولة عن لبنان في “ستاندرد أند بورز”: “تشير تقديراتنا إلى عجز مالي في 2019 عند حوالى عشرة بالمئة… في غياب تعزيز جوهري للإيرادات وإجراءات خفض النفقات، نتوقع أن تواصل نسبة الدين العام للبنان الارتفاع لتتجاوز 160 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2022 من 143 بالمئة في 2018”.
ورشة الموازنة التي تنتظرها نقاشات شرسة في المجلس النيابي، ستكون حكماً عرضة لتجاذب كبير مع محاولات نوّاب كل كتلة فرض ما لم تستطع فرضه في الحكومة، وتحويل السجال إلى مادةٍ للمزايدات الإعلامية والاتهامات أمام الشاشات. وكل هذا الهرج والمرج المتوقّع، سيكون على وقع التحرّكات الشعبية في الشارع، واعتراض شرائح واسعة في البلاد متضرّرة من المشروع بصيغته الحالية، مع احتمال أن تكون التحركّات والإضرابات أوسع من تلك التي جرت أثناء النقاش الحكومي. فالنقاش في الغرف المغلقة في بعبدا أو السرايا بين الوزراء، يختلف تماماً عن النقاشات داخل المجلس النيابي، حيث يقدّم النّواب مداخلاتهم تحت ضغط ناخبيهم.
وفيما لم تُحسم بعد وجهة الكتل، إلّا أن العديد من البنود من المتوقّع أن تسقط أو تُعدَّل بنحو كبير، ولا سيّما مسألة فرض ضريبة 3% على معاشات التقاعد، وخاصة بعد ارتفاع اعتراض الجيش والأجهزة الأمنية والمتقاعدين العسكريين على هذا التوجّه. كذلك الأمر بالنسبة إلى بند فرض ضريبة 2% على الاستيراد، التي يعترض عليها حزب الله وحركة أمل وتيار المردة، لخطورة تسببها بارتفاع أسعار شبيه بما تسببه زيادة الضريبة على القيمة المضافة، ولكونها تطاول الشرائح الفقيرة والمتوسطة بنحو عشوائي. وفي الأيام الماضية، بدا وكأن التيار الوطني الحرّ في وارد إسقاط ضريبة الـ3% على المتقاعدين، ومعه حزب الله، فيما يستمر الحريري والقوات اللبنانية بالإصرار عليها. وبحسب المعلومات، فإن وفداً من قوى الأمن الداخلي زار الحريري أمس، وتمنّى عليه التراجع عن هذه الضريبة في المجلس النيابي، ودعّم الوفد طلبه بالإشارة إلى ما وصل إليه من أنباء عن تراجع التيار الوطني الحرّ عن هذا البند، إلّا أن الحريري رفض ذلك، وأكّد للوفد أنه اتخذ قراراً في الحكومة ولن يتراجع عنه ولو تراجعت الكتل الأخرى.
وعُقد أول من أمس أيضاً اجتماع لقادة الأجهزة الأمنية في وزارة الدفاع، بهدف توحيد الموقف من موضوع التدبير رقم 3، لعرضه على رئيس الجمهورية في أول جلسة لمجلس الدفاع الأعلى. وبحسب المعلومات، جرى التوافق بين قادة الأجهزة على أن يبقى “التدبير رقم 3” سارياً على العسكريين في القطعات العملانية، بينما يسري “التدبير رقم 2” على العسكريين الإداريين.
تقنياً، يتوقّع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، أن يتسلّم نص المشروع اليوم من رئيس المجلس نبيه برّي، على أن يبحثه خلال مهلة 48 من موعد تسلّمه، عملاً بالنظام الداخلي.
وبحسب كنعان، هناك احتمالان للبدء بجلسات اللجنة النيابية: الأوّل هو عقد جلسة يوم الاثنين المقبل قبل عيد الفطر، أو أن يتمّ تأجيل عقد الجلسة الأولى إلى ما بعد العيد، بسبب انشغالات النواب في مناطقهم. إلّا أنه يرجّح عقد جلسة يوم الاثنين لتسريع البدء بالنقاشات في المجلس وإنجاز الموازنة خلال مهلة الشهر التي فرضها توقيع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوماً يتضمّن مشروع قانون يهدف إلى الإجازة للحكومة الصرف على القاعدة الاثني عشرية حتى نهاية حزيران (بصورة مخالفة للدستور الذي يمنح الحكومة حق الإنفاق وفق القاعدة الاثني عشرية في الشهر الأول من العام حصراً).
ويتخلّل الجلسة الأولى إجمالاً استماع اعضاء لجنة المال والموازنة لمداخلة من وزير المال، يطرح فيها فذلكة الموازنة وأرقامها وملخّصاً عاماً عنها، وبعدها تجري جدولة الجلسات للبدء بنقاش التفاصيل. وعلى ما يؤكّد كنعان لـ”الأخبار”، فإنه ستجري جدولة الجلسات صباحاً ومساءً لإنجازها في أقرب فرصة ممكنة، رافضاً إعطاء توقّع لمدة استمرار الجلسات، مستنداً إلى “مواقف الكتل ومسار النقاشات التي قد تطول بحسب التجربة”.
لكنّ كنعان يشير إلى أن خطة لجنة المال والموازنة هي النقاش المتأني لكل المسائل، من المواد القانونية إلى الفصل الضريبي والبرامج واعتمادات الوزارات، مع “مسار رقابي متشدد، ومقارنة لمدى التزام الحكومة واحترامها لتوصيات اللجنة والـ39 بنداً إصلاحياً التي طرحناها في 2017 و2018، على أساس التغيير البنيوي وتصحيح الأرقام والحسابات الجارية”.
ويرفض كنعان التنبؤ بمواقف الكتل، معتبراً أنْ “لا مصلحة لأحد بالعرقلة، ونتمنى أن لا تتحوّل الجلسات إلى بازار مزايدة”.