كتب الكثير حول انفجار المرفأ ونيترات الأمونيوم وكيفية وصولها وسبب تخزينها، فيما لم يحظ التعامل مع المخاطر البيئية المتولدة عن الانفجار (والتي لا تقلّ خطورة عنه) بالاهتمام اللازم. ورغم أن لوزارة البيئة، بحسب قانون إنشائها، مهام محددة تتعلق بالأمن البيئي والصحي، ما كان يفترض التدخل السريع وتشكيل لجنة خاصة تهتم بالآثار البيئية للانفجار داخل حرم المرفأ ومحيطه، إلا أن الوزير دميانوس قطار تأخر طويلاً. نحو أربعة أشهر مرّت على الانفجار، تلقّى خلالها قطار كتباً من الامانة العامة للمجلس الاعلى للدفاع ومن المدعي العام التمييزي والنيابة العامة التمييزية والمحقق العدلي والأمانة العامة لمجلس الوزراء ووزارة الدفاع، قبل أن يصدر في 26/11/2020 قراراً (229/1) بتشكيل لجنة برئاسة مدير عام البيئة برج هتجيان لمتابعة الأعمال الميدانية وتقديم الاقتراحات اللازمة.
إلا أن المدير العام للوزارة، رغم وجوده في منصبه منذ نحو ربع قرن، ورغم خبرته المفترضة وكل ما كُتب حول الموضوع، حصر مهمة اللجنة بمتابعة الأعمال الميدانية ذات الصلة بسلامة البيئة داخل حرم المرفأ… وكأن محيط المرفأ من أحياء سكنية تحوّلت أكواماً من الردميات التي تتضمن مواد خطرة، خارج لبنان، وخارج المخاطر البيئية والصحية! فضلاً عن الفوضى الناجمة عن كثرة المتدخلين في هذا الملف.
المدير العام لا يجيب عن الأسئلة متذرعاً بحاجته الى إذن من الوزير للتصريح، والأخير لا يرد على الاتصالات ولا يصرّح ولا يصدر بيانات توضيحية. وما من شيء يفسر هذا التكتم وقلة الشفافية في مقاربة هذا الملف (وغيره من الملفات البيئية الحساسة)، سوى قلة المسؤولية، أو للتغطية على ارتكابات ما، أو لعدم التعرض لأسئلة محرجة تفضح الفشل… ولـ«يكتمل النقل بالزعرور»، جاء تورط معظم المنظمات البيئية، إما في اصطياد مشاريع إعادة الترميم التي تستجلب تمويلاً، أو في مشاريع «مدعومة» لتنفيذ مشاريع سخيفة، كمشروع «بحر بلا بلاستيك» (مليون يورو من الاتحاد الأوروبي) الذي انشغل في البحث عن البلاستيك في البحر، في وقت كانت، ولا تزال، المواد الخطرة في المرفأ ومحيطه تقتل ببطء، وبالمباشر، سكان المناطق المجاورة.
في هذا السياق، لم يُفهم من كلّف شركة ألمانية بنقل نفايات خطرة وُجدت في المرفأ (من دون مناقصة ولا قواعد ودفتر شروط)؟ وإذا ما كان أي تواصل قد جرى مع الامانة العامة لاتفاقية بازل التي تعنى بنقل النفايات الخطرة عبر الحدود؟ وهل طلب من القضاء ضمّ ملف هذه النفايات الخطرة الى الملف الأساسي لمعرفة من أدخلها ومن يتحمل مسؤولية تخزينها ومن يفترض أن يتحمل مسؤولية معالجتها؟
ولعل الأكثر غرابة في ملف المواد الخطرة داخل حرم المرفأ وخارجه ادّعاء مسؤولين رسميين أن لا قدرة للبنان على التقييم وأخذ العيّنات والإدارة والمعالجة، إن عبر إيجاد خيارات مستدامة أو عبر الترحيل وفق شروط الاتفاقيات الدولية، وكأن هذه المواضيع مفاجئة وتطرح للمرة الأولى، علماً بأن لبنان تسلّم أكثر من هبة ومساعدة دولية لإدارة النفايات على أنواعها. لكن الإدارة العامة والوزراء المتعاقبين أهدروا الفرص والآمال من دون أن ينجزوا استراتيجية متكاملة لكيفية التعامل مع هذه المواد، ولا سيما المصنّفة خطرة منها!