تبدو الشكوك المتصاعدة حيال الواقع الحكومي الذي سيواكب من الاسبوع المقبل جلسات لجنة المال والموازنة النيابية لدرس مشروع الموازنة ومن ثم معاودة جلسات مجلس الوزراء، حتمية في ظل اتساع “الهلهلة” بل الانهيارات التي تلاحق علاقات معظم القوى المشاركة في الحكومة، علماً ان المفارقة اللافتة في هذا السياق باتت تبرز في كون المواجهات السياسية والاعلامية لم تعد تحصل على خلفية الانقسام “القديم” بين تحالفي 14 آذار و8 آذار، بل على خلفيات ذاتية وطارئة.
وبينما تركت المرحلة الاولى من اقرار الموازنة في مجلس الوزراء تداعيات ثقيلة على العلاقات بين هذه القوى، فان تصاعد السجالات والمواجهات الكلامية بين كل من “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”، وبين “التيار الوطني الحر” وحزب “القوات اللبنانية”، ومن ثم بين “تيار المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي رسم تساؤلات مبكرة للغاية عن مآل العمل الحكومي ومصيره في مواجهة الاستحقاقات المتدافعة المقبلة. واذا كانت هذه “المحاور” أو “الجبهات” الحكومية الساخنة تشغل الاهتمامات المباشرة حالياً، فربما كانت هناك مشاريع مواجهات اخرى ومتناسلة في المرحلة المقبلة بين قوى أخرى حول استحقاقات أشد اثارة للتباينات مثل ملف المفاوضات لترسيم الحدود الجنوبية البرية والبحرية أو ملف النازحين السوريين وارتباطه بالمخاوف من التوطين و”صفقة القرن”.
ورجحت معلومات في هذا السياق أن يعود مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد الى بيروت الاثنين المقبل لمتابعة مهمته المكوكية بين لبنان واسرائيل في شأن المفاوضات الرباعية حول ترسيم الحدود.
في هذا الوقت وقبل ان تستكمل عملية تبريد الحرب الكلامية بين “التيار الوطني الحر ” و”تيار المستقبل”، فتحت جبهة سجالات جديدة مفاجئة، بين “المستقبل” والحزب التقدمي الاشتراكي هذه المرة بسبب ظاهري هو خلاف على المداورة في رئاسة بلدية شحيم. فقد غرّد رئيس الاشتراكي وليد جنبلاط: “كم هي هزيلة تلك الايام التي وصلنا اليها حيث يصبح محافظ جبل لبنان موظفاً صغيراً عند تيار سياسي تائه ومتخبط في خياراته العامة، لكن مصرّ في محاربة الحزب الاشتراكي في اقليم الخروب بأي ثمن متجاهلاً التاريخ النضالي للجبل والاقليم.رحم الله رجالات الامس امثال غالب الترك وسميح الصلح”. هذا الكلام استدعى رداً من الامين العام لـ”تيار المستقبل” أحمد الحريري الذي كتب عبر “تويتر”: “هيدا الحكي مش إلك يا بيك… يلي بيناتنا أكبر بكتير من مجلس بلدي… اذا شايف غير شي خبرنا”.
وفي المقابل، رد أمين السر العام في الحزب التقدمي الإشتراكي ظافر ناصر على تغريدة الحريري: “لانو اللي بيناتنا اكبر بكتير مش لابن رفيق الحريري تهديد الناس بارزاقن كرمال بلدية. صوّب المسار كرمال لي بيناتنا”. وعاد أحمد الحريري ورد على ناصر: “كلامك أو كلام معلمك يا رفيق ظافر مش مقبول.. سعد الحريري ما بيقطع أرزاق.. ابن رفيق الحريري بنى أرزاق ودفع من لحمو الحي وانتو اول العارفين… يا عيب الشوم”.
جعجع
في غضون ذلك، اسف رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في حديث الى “النهار” لتصاعد الحملات الاخيرة بين “التيارالوطني الحر” و”القوات”. وعزا ذلك اولًا الى مناقشات الموازنة “وكيف أنه في آخر لحظة في آخر جلسة للموازنة جرى طرح اعطاء 40 مليار ليرة لوزارة المهجرين. وعارضنا وما زلنا نعارض انطلاقاً من الوضع العام للموازنة. وكيف نفتش عن القروش من تحت الغيم مع الدعوة الى الإنفاق في الأمور الملحة”.
وفند وقوف “القوات” ضد طرح العونيين عن المهجرين بقوله: إن “هذا الملف يتطلب خطة واضحة ولا يصح التعاطي معه بالطريقة نفسها منذ 20 و30 سنة الى اليوم. ويحتاج الى وضع مقاييس من خلال وضع مبلغ 25 مليون دولار “هذا ليس مزحة. وطرحنا رأينا التقني”.
ورداً على سؤال يتعلق بالسجالات بين “التيار” و”المستقبل” قال جعجع : ” بكل صراحة لا أفهم هذا السجال وأسبابه من أوله الى آخره من خلال اقدام أهم مكوّنين في التسوية الرئاسية ودخولهما في هذا السجال. أنا لست مسروراً ابداً بحصوله. لا أعرف ما هو الهدف والى اين سيصلان”. وتمنى “ان يتوقف في أسرع وقت “. ورفض تصويره على أساس سني- مسيحي”، معتبراً ان “سببه الاساس هو صراع على الكعكة الموجودة في الوقت الحاضر”.
ولا يعتقد جعجع ان التسوية الرئاسية قد اهتزت بل يرى انها “في معناها العميق عودة المؤسسات بعد انقطاع دام سنتين ونصف سنة من الفراغ الرئاسي. وعلى الأقل لدينا اليوم رئيس للجمهورية ومجلس النواب والوزراء شغالان. هذه هي التسوية. تبقى التحالفات نفسها أم تتغير، نصبح عندها أمام موضوع آخر”.
مؤتمر الطاقة الاغترابية
وسط هذه الاجواء شهد اليوم الاول لمؤتمر الطاقة الاغترابية الذي افتتح أعماله أمس في مجمع “البيال” بفرن الشباك تظاهرة اغترابية كبيرة تمثلت في كثافة الحضور، بما في ذلك حضور سياسي واسع، فيما توالت حلقات النقاش والحوارات بعد الجلسة الافتتاحية. ويختتم المؤتمر مساء اليوم باصدار توصياته.
وأكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته “إصراره على ترسيخ انتماء المنتشرين اللبنانيين في العالم إلى لبنان عبر إقرار قانون استعادة الجنسية، الذي دخل حيز التنفيذ منذ أكثر من عام، معيداً الحق لمن فقده “. وقال “إن المغتربين هم فخر لوطنهم، ليس فقط بإبداعاتهم وسيرتهم وإنجازاتهم على مستوى العالم، بل أيضا بكونهم نموذجا للتعايش بين الأمم”، مضيفاً “أن ميزتهم هي أنهم أبناء مجتمع تعددي تعلم كيف يعيش اختلافه وكيف يحترم حق الآخر في الوجود والانتماء والتعبير”. ولاحظ أنه “إزاء التطرف السائد الذي يولد الإرهاب، يأتي دور لبنان في النموذج الذي يمكن أن يقدمه الى العالم، وخصوصا بعد التجارب التي سبق له أن عاشها وعلمته كيف يعيش تعدديته، وأن الاختلاف حق، والحوار وحده هو طريق الخلاص والسلام”.
ولفت إلى إن “لبنان يكافح اليوم للنهوض من أزمات مزمنة متراكمة خصوصا في الميدان الاقتصادي، لكنه يسلك درب التعافي”، مشيراً إلى أن “كل جهد من المنتشرين اللبنانيين سيساعده من دون شك على المضي قدماً في هذه الدرب”.
وعرض وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل في خطاب مسهب ما انجز وما يبقى انجازه “تكريساً لمفهوم الانتماء اللبناني الذي هو فوق كل انتماء” وقال: “نجحنا في إقرار قانون استعادة الجنسية وفي إعطائها لمئات اللبنانيين الذين لم يتوقعوا ان يحصلوا عليها يوماً، الا اننا نحتاج اليكم كجنود للجنسية لنتمكن من الوصول الى مئات الآلاف منهم”. وتناول الانجازات ومنها التسجيل الالكتروني للولادة أو الزواج في البعثات اللبنانية وتنفيذ مرسوم التجنس واشراك المنتشرين في الانتخابات معلنا تعيين 43 ديبلوماسياً جديداً في كل السفارات هذا الشهر و20 ملحقاً اقتصادياً وتعيين 118 قنصلاً جديداً.