بعد تسعة أشهر على انفجار بيروت، تتوالى العروض الدولية والأوروبية لإعادة إعمار المرفأ وتطويره، من قبل شركات ووفود فرنسية وألمانية وصينية على نحو لافت ومريب، يطرح تساؤلات عن السبب الحقيقي لتهافت دول وشركات عالمية تريد الإستثمار في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً دراماتيكياً وشللاً سياسياً وتدهوراً في عملته الوطنية.
فالشركات الألمانية التي زارت لبنان مؤخراً قدمت مشروعاً ضخما يمتد الى عشرين عاماً، بلغت قيمته ٣٠ مليار دولار لإعادة إعمار المرفأ، يقوم على إبعاد أنشطة المرفأ وفصلها عن وسط المدينة، وتحويل مساحة الأضرار الى منطقة سكنية ومساحات خضراء وبنى تحتية، وجعله بمستوى عالمي رفيع.
عرض الشركات الألمانية وحضور وفد وممثلين لها الى بيروت، والذي تردد في حينه انه ليس منسّقاً مع الحكومة الألمانية، طرح تساؤلات حول سبب الاندفاعة الألمانية للاستثمار في بلد متعثر، خصوصاً ان مشروعاً بهذا الحجم لا يمكن إلّا أن يكون حائزاً على موافقة الحكومة الألمانية التي نفت ان يكون لها دور في المشروع.
الفرنسيون أيضا على خط الإعمار تكملة للاهتمام السياسي الذي تبديه فرنسا بانتظام الوضع اللبناني، حيث زار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لبنان ثلاث مرات، وتفقد في إحداها أضرار المرفأ، وحيث أعلنت شركة cma.cmg رغبتها بإعادة إعمار منطقة المرفأ، وقدّمت مشروعاً متكاملا على ثلاث مراحل للاعمار والتوسيع والتطوير الى مرفأ “ذكي”.
الخطط الأوروبية تتسارع. إلّا ان الشهية المفتوحة للغرب هي محط إستغراب حول الهدف من العمل في دول متعثرة، إلّا إذا كانت الشركات الأوروبية تريد تحت غطاء المساعدة ان تعمل لفرض واقع معين على الأرض، حيث يؤكد العارفون في الاندفاعة الدولية ان الهدف ليس فقط مساعدة لبنان لترميم مرفقه العام، بل هو ايضا في إطار التسابق للعب دور على واجهة البحر المتوسط تنفيذاً لمصالح تلك الدول الجيوسياسية.
الدول الغربية ليست بالمؤكد جمعيات خيرية او “كاريتاس” ولها مصالحها الاقتصادية، حيث ان لبنان يُعتبر مستقبلاً دولة نفطية، والجهة التي ستعيد إعمار بيروت سيكون لها حصة ونفوذ في التنقيب في المياه اللبنانية.
يبقى ان المخاوف الكبرى من خطط ومشاريع الشركات، تشمل تكرار تجربة سوليدير لإعادة اعمار وسط بيروت بعد الحرب، عبر ضخ مليارات الدولارات لبناء وسط لم يعد يشبه المدينة.