لا يزال اليورو في عامه العشرين يتطلع إلى تحقيق حلمه بمنافسة الدولار الأميركي. فقبل عشرين عاما تخلى الملايين من الأوروبيين في 12 دولة عن عملتهم الوطنية من فرنك وليرة ودراخما، لاعتماد اليورو في حدث اعتبره الرئيس الفرنسي جاك شيراك آنذاك أنه انتصار لأوروبا التي تؤكد بذلك هويتها وقوتها.
وطُرحت العملة الجديدة وهي رمز للوحدة الأوروبية، لتكون أيضا منافسا للدولار الأميركي القوي، لكن تحقيق هذا الهدف لا يزال صعب المنال. فمع مرور عقدين من الزمن لا يزال الدولار ملكا متوجا وأكثر العملات أمانا في العالم. وعندما توقفت عجلة الاقتصاد العالمي مع انتشار جائحة كوفيد – 19 تهافت المستثمرون على تحويل أصولهم إلى العملة الأميركية، ما عزز قيمة الدولار. ويتم راهنا تداول أكثر من 2100 مليار دولار، فيما 60 في المئة من احتياطي العملات الصعبة في المصارف المركزية بالدولار.
ويشكل اليورو حوالي 20 في المئة تقريبا من هذا الاحتياطي على ما يفيد البنك المركزي الأوروبي. ومع أن العملة الأوروبية الموحدة لا تهدد بتاتا هيمنة الدولار الأميركي، إلا أنها أصبحت منافسا يحسب له حساب. وأتى اليورو ثمرة تسوية مؤلمة بين ألمانيا التي قبلت بالتخلي عن المارك الألماني رمز نهوضها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، في مقابل دعم فرنسا لإعادة توحيد البلاد بعد سقوط جدار برلين.
وعادت فكرة جعل اليورو أداة قوية لسياسة اقتصادية تكون في خدمة القارة الأوروبية، لتطرح مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة. وعندما انسحبت الولايات المتحدة العام 2018 من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على طهران، باتت الشركات الأوروبية التي استثمرت في إيران في مرمى العقوبات الأميركية. واستحدثت أوروبا يومها آلية لكي تفلت من هذه العقوبات، إلا أن المستثمرين تراجعوا خوفا من إثارة غضب واشنطن. واشترطت دول عدة أعضاء من بينها فرنسا إعادة طرح النقاش حول الدور الجيوسياسي للعملة الأوروبية، من دون أن يفضي ذلك إلى نتيجة تذكر.
ومنذ مغادرة ترامب السلطة، فقدت المسألة بعضا من أهميتها، فيما قال مسؤول أوروبي مطلع على هذا الملف “في أي حال عندما نتحدث عن دور اليورو على الصعيد العالمي إنما نتحدث عن كل شيء ولا شيء في آن واحد”. وأكد أن “الجميع متفقون على أن يضطلع اليورو بدور أكبر على الساحة الدولية، ولكن ثمة تباينات حول طريقة التوصل إلى ذلك”.
وثمة عنصر حيوي غائب في هذه المعادلة هو نظير لليورو بالسندات الأميركية، التي أصبحت منذ الحرب العالمية الثانية ملاذا للمستثمرين في حال حصول اضطرابات في الأسواق. وأعيد طرح فكرة سندات دين أوروبية “يوربوند” خلال مفاوضات الدول الأعضاء في الاتحاد، بشأن خطة التحفيز لمرحلة ما بعد كوفيد – 19 التي استحدثت مديونية مشتركة للتكتل الأوروبي. غير أنها اصطدمت بموقف الدول الثرية وتلك التي تعتمد نهجا “متقشفا” مثل ألمانيا وهولندا، وترفض إضفاء طابع دائم على قروض قد تفيد أكثر الدول مديونية مثل إيطاليا وفرنسا وإسبانيا واليونان. ويرى غونترام فولف أن مفتاح النجاح لليورو مرتبط في المقام الأول بالنمو الاقتصادي. ويؤكد “إذا كان الاقتصاد يتمتع بالحيوية فهو سيستقطب الاستثمارات إلى أوروبا، ما سيعزز اليورو أيضا”.