يستمرّ مرفأ بيروت في تسجيل تراجع ملحوظ في حركته. ويعود السبب الى الأزمة الاقتصادية وفيروس كورونا لا الى الانفجار الذي ضربه في 4 آب الماضي؛ إذ تؤكّد الإحصاءات أن التراجع الكبير بدأ منذ نهاية العام الماضي، بينما تستمرّ محطة الحاويات، الناجية الوحيدة من الأضرار، بالعمل «باللحم الحي»
يومَ انفجرت «نيترات الأمونيوم» في العنبر الرقم 12، مُطيحة مرفأ بيروت عن بكرة أبيه، كانَ المنطق يقول إن هذا المكان لم يعُد صالحاً للاستخدام، وإنه بحاجة إلى سنوات ومليارات الدولارات لمعاودة نشاطه. حتى إن شركات الملاحة التي كانَت بواخرها مُبحرة في اتجاه بيروت بدأت بتحويل مسارها إلى مرفأ طرابلس لتفريغ حمولاتها. لكن المفاجأة كانت في أن حركة المرفأ استؤنِفت بعد أسبوع فقط من الانفجار، ويعود ذلِك إلى عدم تضرّر محطة الحاويات، إذ يرتبِط الدور الأهم للمرفأ بهذه المحطة التي تُشغّل ٧٥ في المئة من حركة «البور».
فالمحطة أصيبت بأضرار لم تمنعها من البدء بالعمل من جديد على الأرصفة 12 و13 و14، بعدَ قيام وحدات الجيش بتنظيف الركام وإزالته من الباحات التي تُحيط بها. وهذه المحطة التي تشغّلها شركة «bctc» التي وقعّت الدولة اللبنانية عقداً معها منذ عام ٢٠٠٤، يُمكن القول إنها عادت الى عملها الطبيعي بنسبة 90 في المئة، وهي تعمَل على الرصيف رقم 16 وقادرة على استقبال البواخر كافة، ما عدا البواخر العادية التي كانَت تُفرِغ حمولتها في المرفأ القديم المدمّر من حبوب وغيره، فباتت ترسو على الأرصفة 7، 12، 13، 14 و15، بينما تفرغ بواخر القمح حمولتها مباشرة على الشاحنات بدلاً من الإهراءات، ومن ثمّ تُنقل إلى المطاحن التي تمتلِك إهراءات صغيرة، بحسب التقرير السنوي للغرفة الدولية للملاحة في بيروت.
لا شكّ في أن حركة المرفأ انخفضت بشكل كبير. غيرَ أن هذا الانخفاض غير مُرتبط بانفجار 4 آب. فالمنحى التراجعي بدأ منذ نهاية العام الماضي، والسبب هو تردّي الأوضاع الاقتصادية والمالية، إذ لم يعُد باستطاعة التجار فتح اعتمادات بالدولار لاستيراد بضائعهم، ومُنع تحويل الأموال الى الخارج، ما انعكس سلباً على شركات الملاحة. ولا يمكن أيضاً تجاهل فيروس كورونا الذي ضرب اقتصاد العالم وضرب معه التجارة العالمية. كل هذه الأمور أدت بطبيعة الحال الى تراجع حركة «المسافنة»، وبالتالي تراجع حركة المرفأ بشكل عام. فقد أظهرت إحصاءات تقرير الغرفة الدولية للملاحة أن المرفأ سجّل انخفاضاً في حركته الإجمالية في الأشهر الثماني الأولى من العام الحالي، مقارنةً بتلك التي سجّلها في الفترة ذاتها من العام الماضي. وقد انسحب هذا التراجع على مجموع الواردات المرفئية وحركة الحاويات المستوردة برسم الاستهلاك المحلي، وتلكَ المُصدّرة وهي ملأى ببضائع لبنانية ومجموع الحاويات برسم المسافنة.
وقد أظهرت المقارنة بحركة مرفأ بيروت الإجمالية في الأشهر الثمانية الأولى من العامين 2019 و2020، تراجعاً في مجموع البواخر بنسبة 21 في المئة، وانخفاضاً في كمية البضائع بنسبة 38 في المئة، وانخفاض البضائع المستوردة برسم الاستهلاك المحلي، بنسبة 41 في المئة، وتراجعاً في نسبة البضائع اللبنانية المصدرة بحراً نسبته 18 في المئة. أما حركة الحاويات فسجّلت تراجعاً الى 524.166 حاوية نمطية، مقابل 859.933 حاوية للفترة نفسها من العام الماضي، أي بانخفاض قدره 335.767 حاوية نمطية ونسبته 39 في المئة.
وأفادت الإحصاءات أيضاً بأن انخفاض الحركة الإجمالية في الأشهر الثمانية الاولى من العام الحالي انعكس سلباً على المجموع العام للواردات المرفئية التي بلغت 74.078 مليون دولار ، مقابل 136.486 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بتراجع نسبته 46 في المئة. أما الحركة بعد انفجار بيروت حتى الشهر الحالي فقد تراجعت بنسبة لا تذكر عن الأرقام المذكورة، لكن هذا التراجع تعيده المصادر مجدداً الى الوضع الاقتصادي وفيروس كورونا لا إلى قدرة المرفأ أو المحطة التشغيلية، ومن المتوقع أن تواصل حركة الحاويات في مرفأ بيروت انخفاضها مع استمرار تفشي الفيروس وإمعانه في ضرب الحركة الاقتصادية وحركة التجارة البحرية العالمية.