لن تقتصر الأضرار والخسائر الناتجة من انفجار مرفأ بيروت على كلفة اعادة الاعمار فقط، بل انّ تداعيات تلك الكارثة ستطال بشكل رئيس شبكة المصالح الاقتصادية، التي سينعكس تعطّلها على المالية العامة للدولة وعلى ديناميكية الدين العام، ليُعاد خلط الاوراق من جديد، في ما يتعلّق بإعادة هيكلته وحجم الخسائر في ميزاينة مصرف لبنان والقطاع المصرفي.
رغم انّه لم يتمّ بعد بشكل رسمي وعلمي مستفيض، تقييم كافة الأضرار المباشرة وغير المباشرة، المادية وغير المادية الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، إلّا انّ التقديرات الأولية للخسائر تفوق 15 مليار دولار، وفق ما صرّح به رئيس الجمهورية. سيضاف الى تلك الخسائر تداعيات اقتصادية سلبية جسيمة، نتيجة الانكماش الاقتصادي المتوقع ان يبلغ نسبة 25 في المئة، خصوصاً انّ الفاجعة الوطنية ذات الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الكبيرة، جاءت في ظلّ وضع اقتصادي ومالي متردٍ، مما سيؤدّي في النتيجة الى تعميق حدّة الأزمة التي يمرّ بها لبنان، خصوصا على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
في هذا الاطار، اشارت الخبيرة الاقتصادية عليا مبيّض، الى انّه بالاضافة الى الدمار الذي لحق بمرفأ بيروت والابنية والشقق السكنية، فإنّ الاثر الاقتصادي سيطال المحال والمؤسسات التجارية والسياحية المتواجدة بشكل كبير في العاصمة بيروت، والتي ستضطر، إما الى الاقفال او تسريح عدد من الموظفين، وبالتالي ستخسر الدولة مساهمة تلك المؤسسات في الدورة الاقتصادية وفي نمو الناتج المحلي الاجمالي. وتوقعت ان تصل نسبة الانكماش الاقتصادي الى ما بين 25 الى 27 في المئة في 2020 ، مشدّدة على انّ آفاق النمو تعتمد على شكل الحكومة التي سيتمّ تشكيلها وكفاءات أعضائها لادارة المرحلة المقبلة، بالإضافة الى مضمون الاتفاق الذي يمكن ان تتوصل له مع صندوق النقد الدولي وبأسرع وقت ممكن، كونه الفرصة الوحيدة للحصول على الدعم المالي المطلوب والسيولة الاجنبية التي يحتاجها الاقتصاد اليوم.
واكّدت مبيّض لـ»الجمهورية»، انّ الضرر الذي لحق بشبكة المصالح الاقتصادية سيؤثر بشكل كبير على المالية العامة للدولة، «وإذا كانت التقديرات تشير الى عجز بنسبة 13 في المئة، فإنّ تداعيات الانفجار ستزيد بالتأكيد من هذه النسبة». كما انّ العجز الاولي للموازنة البالغ 2,5 في المئة في الاشهر الخمسة الاولى من العام الحالي، والذي كانت تسعى خطة الحكومة لأن تحوّله الى فائض، من اجل استدامة الدين العام، سيتعمّق بشكل اكبر، ويؤثر بشكل سلبي اضافي على ديناميكية الدين العام، مما سينعكس سلباً على خيارات اعادة هيكلة الدين العام ويفاقم الخسائر في ميزانية مصرف لبنان وميزانية المصارف وبالتالي خسائر المودعين.
وفي ظلّ تدهور المؤشرات الاقتصادية وتفاقم التداعيات الاقتصادية، أملت مبيّض ان تخلق كارثة بيروت ديناميكية ايجابية للاتجاه نحو الاصلاح الشامل. وفيما لفتت الى انّه لا يحقّ لحكومة تصريف الاعمال التفاوض مع الجهات الاجنبية واخضاع لبنان لشروط تفاوض معيّنة، شدّدت على «الحاجة للإسراع بتشكيل حكومة تضمّ اصحاب الكفاءات والخبرة اللازمة لادارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية، والبدء أوّلا بالمعالجة الداخلية مع مكوّنات المجتمع اللبناني والقطاع الخاص والقطاع المصرفي، بشكل مختلف عن الادارة السابقة وبشفافية تامة وعبر اشراك كافة القطاعات المعنية».
واكّدت انّه يجب في الفترة الحالية، الى حين تشكيل حكومة جديدة، ان تستمر حكومة تصريف الاعمال مواصلة العمل على اجراءات تقنية وتحضيرها للبتّ بها عند تشكيل مجلس وزراء جديد، ومنها:
– تحديث الارقام والتقديرات السابقة، «حيث لا مانع امام طلب وزارة المالية من المستشار المالي «لازارد» وصندوق النقد الدولي، العمل على تحديث الاطار الماكرو اقتصادي المستجدّ، لإعادة تقييم خيارات اعادة هيكلة الدين العام وخسائر القطاع المصرفي».
– يجب على مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف الانتهاء من اعداد سيناريوهات وخيارات اعادة هيكلة القطاع المصرفي.
– الاستمرار بتقييم آثار الخسائر الناتجة من انفجار مرفأ بيروت ووضع آلية شفافة لتوزيع المساعدات الواردة من قبل الدول المانحة، بالتعاون مع المجتمع المدني.
في المقابل، أكّدت مبيّض انّه في حال تأخير تشكيل حكومة جديدة أو تمّ تشكيل حكومة غير قادرة على اعطاء الدفع الايجابي لاستعادة الثقة، «فالانهيار لا بدّ ان يستمرّ، وسنعود الى الحلقة المفرغة التي كنا ندور فيها سابقاً، من خلال الاستمرار بطباعة العملة واستمرار التضخم المفرط والضغط على سعر صرف الليرة…».
وفي الختام، شدّدت مبيّض على انّ المجتمع الدولي وصندوق النقد الدولي تحديداً، قد حدّد بشكل واضح، الاطار الذي يمكن ان يتعاطى من خلاله مع الدولة اللبنانية، وصولا الى حصولها على الدعم المالي، وهو اقرار الاصلاحات المطلوبة، مثل قانون فرض ضوابط على رأس المال، توحيد سعر الصرف، وضع خطة للتصحيح المالي تؤمّن استدامة الدين العام، معالجة الخسائر في مصرف لبنان وتحديد الخيارات لتعويضها…
وقالت: «نحن بحاجة الى حوالى 7 مليارات دولار سنوياً لمدة 3 اعوام على الاقلّ، لن نحصل عليها من دون تطبيق الاصلاحات المطلوبة».