يوماً بعد آخر، تقترب أزمة القطاع الاستشفائي من الاستعصاء. لا حلول قريبة أو حتى مؤجّلة ينتظرها القطاع، مع تمدّد الأزمة المالية – الاقتصادية التي باتت تخنق المستشفيات والمراكز الصحية. وكلما اشتدّت تداعيات هذه الأزمة المستمرة منذ نحو عامين، تجد المستشفيات نفسها عاجزة عن الاستمرار، إذ دخلت المستشفيات مرحلة متقدمة من الانهيار، ولم يعد الخوف يتوقّف عند حدود الشحّ في مخزون الأدوية أو المحروقات أو المستلزمات الطبية، بل استحال اليوم رعباً من الوصول إلى التوقف القسري، مع ما يعنيه ذلك من تعريض حياة المرضى للخطر. مع ذلك، لم يعد طريق الوصول إلى تلك النهاية بعيداً، وقد بدأت ملامحه تتوضح شيئاً فشيئاً مع بدء أصحاب بعض المستشفيات الخاصة بـ«مشاورة» نقابتهم حول قراراتٍ سيتخذونها تخصّ مصير مراكزهم. وفي هذا السياق، أوضح نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، الدكتور سليمان هارون، أنه تلقّى أخيراً اتصالاتٍ من أصحاب بعض المستشفيات «لشرح صعوبة الحالة التي وصلوا إليها». وإلى الآن، يؤكد هارون أن هناك نية لدى أصحاب أربعة مستشفيات خارج بيروت «إقفال مستشفياتهم، أو في أحسن الأحوال البحث عن مستثمرين ينوون العمل في المجال الاستشفائي».
لا يفصح هارون عن أسماء المستشفيات كي لا يُثير بلبلة في القطاع ولدى الناس. لكنه يؤكّد أنه «ما لم تحدث معجزة، فإن كارثة ستحل بالقطاع»، متوقّعاً أن تشهد الأيام المقبلة إعلان بعض المستشفيات «توقف الأعمال فيها نهائياً وليس فقط بعض الأقسام». ويوضح أنه «آخر سنة 2022، رح يكون مسكّر بين 20 و30 مستشفى»، أي نحو 15% من عدد المستشفيات الخاصة التي يبلغ عددها حوالى 127.
وإلى السردية التي باتت معروفة حول أسباب الانهيار في القطاع الاستشفائي، يضيف هارون أزمة الدفع بالدولار نقداً للتجار، وعدم دفع الدولة والجهات والصناديق الضامنة لمستحقات المستشفيات، إذ إن المستشفيات «لم تتقاضَ فلساً واحداً من مستحقاتها عن عام 2021». أما ما يعطيه الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهو سلفة بحدود 47 مليار ليرة، «فلم تعد تفي بالمطلوب، حيث باتت هذه القيمة بحدود 250 ألف دولار بعدما كانت تساوي أكثر من 30 مليون دولار»!
وليست الأزمة حكراً على المستشفيات الخاصة، بل تطاول اليوم أيضاً المستشفيات الحكومية. فقد كان مستشفى البترون أول المعلنين عن نيته التوقف عن الأعمال الطبية بسبب فقدان القدرة على الاستمرار. وإذ يعزو مدير المستشفى الدكتور أيوب مخباط القرار إلى الأزمة التي «جعلت من الصعب حتى القيام بتصليحات في المستشفى»، إلا أن ما يعمّق الأزمة هو «المستحقات العالقة في ذمة الدولة والتي تساوي حوالى 8 مليارات ليرة». ليست تلك الإعلانات مجرد تهديد، وإنما هي بحسب هارون ومخباط وغيرهما، إيذانٌ بمرحلة جديدة يدخلها القطاع. فهل تَحلّ المعجزة أم يُحَلّ القطاع؟