يُنبَشُ ملف الكهرباء مراراً، ومن زوايا مختلفة، تُدوَّر حسب الظروف والمستجدّات. فُتِحَ الملف هذه المرة من باب الحاجة إلى الدولارات لدفع مستحقات شركة برايم ساوث Primesouth المشغِّلة لمعملي دير عمار والزهراني. وما كاد الملف يُغلَق بوعدٍ من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتأمين 7 مليون دولار شهرياً للشركة، من المرجَّح أن تؤمَّن من أموال السحب الخاصة SDR، حتّى أطلّت أزمة باخرة فيول تحتاج إلى تأمين مبلغ بنحو 58 مليون دولار نقدي (فريش)، لشراء 66 ألف طن متري من مادة الغاز أويل، لمعمليّ إنتاج الكهرباء في دير عمار والزهراني.
باخرة غير يتيمة
ليس مجيء الباخرة حدثاً طارئاً، إذ هي جزء من سلسلة بواخر تنقل الفيول أويل والغاز أويل، بموجب مناقصات جرى عقدها تسلسلياً منذ بداية العام الجاري، وأتت أولى الشحنات عبر شركة “فيتول بحرين” Vitol Bahrain E.C، التي توقّفت لاحقاً عن خوض المناقصات لتوصيل الشحنات، بسبب عدم دفع الدولة غرامات التأخير المستحقة لها، نتيجة مسارعة وزارة الطاقة طلب البواخر وقدومها إلى الساحل اللبناني قبل تأمين الاعتمادات المالية لها عبر إقرار سلفة خزينة، التي أقرَّت لاحقاً بقيمة 300 مليون دولار بدل 600 مليون دولار كانت طلبتها الوزارة.
دخلت شركة كورال إينيرجي Coral Energy DMCC على خط المناقصات كبديل لشركة فيتول بحرين. وأتت بشحنة بلغت قيمتها نحو 49 مليون دولار، ومن المفترض أن تأتي بأخرى، هي شحنة 66 ألف طن متري والتي من المفترض أن “تتوزّع على باخرتين، تحمل كلّ واحدة ما يقارب 33 ألف طن”، وفق ما يقوله وزير الطاقة وليد فيّاض، الذي يلفت الانتباه في حديث لـ”المدن”، إلى أن “كلفة ما ستحمله الباخرتان، موافَقٌ على تأمين اعتماداتها من ضمن السلفة. علماً أن ما أمّنه مصرف لبنان من دولارات لمجموع الشحنات، هو 193.5 مليون دولار من أصل 300 مليون دولار”.
ويستغرب فيّاض الهجمة التي شُنَّت على الوزارة، إذ صُوِّرَت وكأنها تريد هدر الدولارات، في حين أن “مصرف لبنان وافق على تأمين المبلغ في وقت سابق، ثم انعَطَفَ وغيَّرَ رأيه أخيراً. والوزارة ملتزمة بمسار خطة الطوارىء لقطاع الكهرباء، والتي أقرّتها الحكومة”. ويأسف فيّاض لكلام ميقاتي حول رفضه فتح اعتماد أو صرف أي دولار لبواخر الفيول التي استقدمتها وزارة الطاقة، وهذا الكلام بنظر فيّاض، يعني أن ميقاتي “وَصَلَ إلى أكثر من ثلثيّ الطريق ولم يعد يريد إكماله رغم أنه وافق على استقدام البواخر وشحناتها. أي وافق على المشروع استراتيجياً، ثم توقَّف، علماً أنه لم يتبقَّ سوى باخرة أخيرة”.
سجال في السياسة
لا يجد فيّاض تفسيراً لرفض تأمين الدولارات للشحنة الأخيرة إلاّ بوصف الأمر “معركة سياسية. فالجميع وافق على الخطة التي لا استدامة في تنفيذها وزيادة التغذية من دون استيراد الفيول”.
إن كان في الأمر معركة سياسية، ففي ذلك بعضاً من الصحّة، على أن خيوط المعركة تمتد نحو خطة الطوارىء نفسها وسلفة الـ300 مليون دولار. فالخطة هي فرع من خطط سابقة تجتمع كلّها في الخطة العامة التي وُضِعَت في العام 2010 وتتالت ضمنها المشاريع التي أهدرت عشرات مليارات الدولارات على بواخر الطاقة وشحنات الفيول، والتعاقد مع شركات بصورة مستعجلة لكسب الوقت، وعدم إفساح المجال أمام تعدّد الشركات، وتالياً إكساب المناقصات بُعداً تنافسياً تحقّق الدولة عبره تأمين أفضل خدمة بأقل الأسعار. والمريب أن تلك الخطط ومتفرّعاتها، ورغم معارضة بعض القوى السياسية لها ظاهرياً، إلا أن الجميع يوافق عليها في مجلسيّ النواب والوزراء، إذ تُقَرّ مشاريع القوانين والمراسيم لتسهيل إنجاز الخطط. ومن هنا، فإن الاعتراض على تمويل شحنات الفيول، يأتي متأخّراً بنحو 13 سنة. حتى أن التعاقد مع مورّدي الفيول في الخطة الأخيرة، جرى قبل تأمين النفقات، ومن دون ضمان ردّ قيمة السلفة، وهو أمر مخالف لقانون المحاسبة العمومية. ومع ذلك، لم تعترض القوى السياسية.
الدولرة حاضرة
بعيداً من المناكفات المرتبطة بتمويل الشحنة الأخيرة، هناك ما يستدعي القلق. فالدولرة التي تتغلغل في الاقتصاد اللبناني وتتسلّل إلى كل القطاعات، لم تعد بعيدة كثيراً من قطاع الكهرباء. فالسجال الدائر حول تمويل شحنات الفيول، هو في الوقت عينه مقدّمة لطرح دولرة فواتير الكهرباء، كي تحقق مؤسسة كهرباء لبنان مزيداً من الإيرادات، لتأمين التغذية وزيادة ساعاتها. ولأن إصدار الفواتير بالدولار ممنوع قانوناً في مؤسسات الدولة ومرافقها، يطرح فيّاض إمكانية “إعطاء المواطن خيار دفع الفاتورة بالدولار”، وفي ذلك دولرة مقنّعة. فالهدف النهائي هو تأمين الدولارات “فإما أن يؤمّنها مصرف لبنان أو نذهب نحو الدولرة”.