مع اكتمال فريق الرئيس المنتخب جوزيف بايدن المالي والاقتصادي، يرى اقتصاديون ومحللو أسواق، أن بايدن حينما يؤدي القسم ويصبح رسمياً الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة في 20 يناير/كانون الثاني، سيواجه تحديات ضخمة لإنقاذ الاقتصاد الأميركي، والتغلب على حالة الانكماش الحادة، خاصة إذا تمكن الحزب الجمهوري من المحافظة على الأغلبية في مجلس النواب.
ورغم أن الباب بات مفتوحاً أمام بايدن ليصبح رئيساً للولايات المتحدة بعد تراجع دعاوى الرئيس الخاسر ترامب، إلا أن الطريق لايزال وعراً أمامه لتحقيق دورة انتعاش سريعة للاقتصاد الأميركي بسبب المجاهيل الكثيرة والعقبات السياسية التي ستواجه إدارته المالية، إذ من غير المعروف حتى الآن، ما إذا كانت اللقاحات ضد فيروس كورونا ستكون فعالة في التطعيم، وكم من الزمن ستأخذ حتى يتمكن الاقتصاد من الفتح الكلي وعودة الدورة الاقتصادية ونشاط الأعمال التجارية إلى ما كانت عليه قبل تفشي الجائحة.
في هذا الشأن، يرى رئيس بنك الاحتياط الفدرالي “البنك المركزي” في مينيابوليس، نيل كاشكاري، أن الولايات المتحدة ربما تحتاج إلى فترة 18 شهراً لعودة النشاط الاقتصادي إلى وضعه الطبيعي، وبالتالي فربما تكون الآمال بعودة سريعة للانتعاش الاقتصادي غير واقعية، وأن مستويات البطالة ستظل مرتفعة خلال العام المقبل. وترى مؤسسة “سينشري فاونديشن”، أن نحو 12 مليون أميركي سيفقدون إعانات البطالة في 26 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وحتى الآن، تمكن بايدن من اختيار فريقه الاقتصادي والمالي الذي من المتوقع أن تقوده رئيسة مجلس الاحتياط الفيدرالي السابقة، جانيت يلين، ومجموعة من الخبراء والمستشارين السابقين في إدارة الرئيسين السابقين باراك أوباما وبيل كلينتون. ويلاحظ خبراء أن المجموعة التي اختارها بايدن تتكون في غالبها من خبراء في إدارة الأزمات المالية، إذ أن معظمهم لديهم خبرة في إدارة أزمة المال العالمية التي ضربت الولايات المتحدة في عام 2008.
وإضافة إلى جانيت يلين المرشحة لوزارة الخزانة، اختار بايدن كلا من نيرا تاندن الرئيسة الحالية لمركز التقدم الأميركي، “سنتر فور أميركان بروغرس”، وربما يكون اختيارها تم على أساس ما تملكه من خبرة في تشخيص أزمات فوارق الدخول والصراع الطبقي الذي يهدد تماسك المجتمع الأميركي.
كما اختار بايدن سيسليا روس، الاقتصادية السابقة في جامعة برنستون في ولاية تكساس، لمنصب كبير المستشارين للسياسة الاقتصادية، وأدوال والي أديومو لمنصب نائب وزير الخزانة، كما اختار كلا من جاريد برنستين وهيزر بوشلي كأعضاء في المجلس الاقتصادي. وبالتالي، فإن بايدن اختار فريق إدارة أزمة اقتصادية لتحقيق الانتعاش الأميركي. وتنتظر هذه الترشيحات موافقة الكونغرس الأميركي.
على صعيد التحديات الاقتصادية الداخلية، يواجه فريق بايدن، انكماش النمو الاقتصادي وارتفاع معدل البطالة وإعادة التوازن في مستويات الدخول المالية وتوسيع الطبقة الوسطى. وحسب بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الاقتصاد الأميركي انكمش بمعدل 4.3% خلال العام الجاري، ويتوقع الصندوق أن يتراجع النمو الاقتصادي بمعدل 2.2% في العام المقبل 2021.
على صعيد الخطط الاقتصادية العاجلة، فإن إدارة بايدن ستعمل على إجازة حزمة التحفيز المالي التي يقدر لها أن تكون في حدود 2.2 تريليون دولار لمساعدة الأسر والأعمال التجارية والشركات التي تواجه أزمات مالية عاجلة. كما سيستفيد بايدن كذلك من الأموال التي ينفقها ترامب من خطة التحفيز السابقة والتي أودعتها وزارة الخزانة مع مصرف الاحتياط الفدرالي.
ويخطط بايدن لتوفير وظائف جديدة عالية الأجر، عبر مجموعة من الخطط التي أعلن عنها، ومن بينها “الخطة العشرية” لمشاريع البنى التحتية في الولايات المتحدة. وحسب ما أعلن عنه خلال الحملة الانتخابية لتمويل هذه الخطة عبر إنفاق 1.3 تريليون دولار خلال عشر سنوات على مشاريع البنى التحتية. وتشير خطته إلى أنه سيتم تمويلها عبر خفض الضرائب الذي أقره ترامب على الشركات، كما سيعمل على رفع الضرائب على الأغنياء جداً في بلاده.
وهنالك غضب شعبي من حجم الثروات التي راكمها الأثرياء من جائحة كورونا، والتي قدّرها معهد الدراسات السياسية في واشنطن بنحو تريليون دولار.
لكن يرى خبراء أن بايدن ربما يواجه صعوبات في إلغاء الحوافز الضريبية على الأثرياء، لأن ذلك سيحتاج إلى صدور تشريع من الكونغرس الذي ربما سيكون منقسماً ويسيطر الجمهوريون على مجلس النواب فيه.
على صعيد معالجة الفوارق الطبقية، تقوم استراتيجية بايدن على ردم فجوة الدخول في الولايات المتحدة، بالتركيز على توسيع الطبقة الوسطى في الولايات المتحدة. ويرى بايدن أن “إنقاذ الطبقة الوسطى يعني إنقاذ الولايات المتحدة”.
ومن المتوقع أن يعمل الرئيس المنتخب لتحقيق هذا الهدف، عبر توفير فرص عمل عالية الأجر لذوي الياقات البيضاء في المجتمع، وعدم فرض ضرائب جديدة على أي مواطن يقل دخله عن 400 ألف دولار، ومنح مساعدات مالية للأسر الفقيرة، وحوافز وإعفاءات ضريبية لأفراد الطبقة الوسطى، تشمل رعاية الأطفال والرعاية الصحية.
وحسب برنامج بايدن الانتخابي، فإنه سيقوم بإلغاء جميع الإعفاءات الضريبية على الطبقات الثرية في المجتمع الأميركي، كما سيرفع الضرائب على الأغنياء أصحاب الثروات الضخمة من المليارديرات، ويمثل هؤلاء نسبة واحدا في المائة من المجتمع الأميركي.
ويأمل بايدن، عبر هذه السياسة المالية، في ردم الفجوة في الدخول التي كانت واحدة من أسباب الاضطرابات الاجتماعية واستشراء العنف وارتفاع معدلات الجريمة والغبن الطبقي.