بأسلوب جديد في الشكل والمضمون قدّم وزير الإقتصاد والتجارة في حكومة تصريف الأعمال راوول نعمة خطة الدعم المفروض تطبيقها. لم يعتلِ منبراً، أو يستدعِ وسائل الإعلام إلى مكتبه لعرض خطته، بل توجه إلى اللبنانيين عموماً والمسؤولين خصوصاً بعرض “إنفوغرافيكس” من على منبر محطة MTV.
على مدى ربع ساعة لخص نعمة عبر الرسوم والبيانات كل المعلومات المتعلقة بالدعم بسرعة ووضوح، محملاً الحكومة والبرلمان والكتل السياسية مسؤولية القبول والتنفيذ قبل حدوث الإنفجار الإجتماعي. فالنموذج المعتمد للدعم لا يجوز الاستمرار به، فعدا عن إنه يستنزف 550 مليون دولار شهرياً من أموال المودعين، فهو يولّد بحسب نعمة “خسائر اقتصادية بقيمة 400 مليون دولار شهرياً، ولا يصل إلى مستحقيه الفعليين. وللمثال فان 6 في المئة فقط من إجمالي دعم البنزين يذهب إلى الربع الأفقر، في حين تستفيد الفئة الميسورة من 55 في المئة من الدعم. الأمر نفسه ينسحب على السلع والمواد الغذائية المدعومة التي يستفيد منها التجار والمهربون والطبقات الغنية على حساب الفئات الاكثر حاجة.
الدعم بالدولار وعلى 5 سنوات
المهم في الخطة هو ان الدعم الممتد على 5 سنوات سيكون بالدولار الأميركي و”اللولار”، وليس بالليرة اللبنانية. الأمر الذي يحمي المستفيدين من التقلبات المتوقع حصولها في سعر الصرف. خصوصاً ان ردة الفعل الأولية على رفع الدعم ستؤدي إلى زيادة في الأسعار والمزيد من إنهيار الليرة مقابل الدولار وتدهور القدرة الشرائية. وعليه سيحصل كل فرد من العائلات المدعومة والمقدرة بين 70 و80 في المئة من حجم الاسر، على 50 دولاراً شهرياً في السنة الأولى في حال تجاوز 23 من العمر، و25 دولاراً في حال كان عمره أقل من 23 عاماً. على ان تنخفض قيمة الدعم للأفراد الذين تجاوزوا الـ 23 سنة إلى 40 دولاراً في السنتين الثانية والثالثة و30 دولاراً في السنتين الرابعة والخامسة. أما بالنسبة للأفراد تحت عمر 23 سنة فستخفض القيمة بنسبة تدريجية لتصل إلى 70 في المئة في السنة الأخيرة. وللاستفادة من الدعم سيتم تزويد الافراد ببطاقات تمويلية أو تطبيقات هاتفية أو عبر فتح حساب مصرفي. حيث تمنح المبالغ المقدمة من المجتمع الدولي بالدولار، وتقدم المبالغ المقدمة من خلال الميزانية التي أقرها مجلس النواب كعملة الكترونية. هذه الاجراءات تقلص ضخ النقد الاجنبي من مصرف لبنان بقيمة 3 مليارات دولار في السنة الاولى وتصل إلى 5 مليارات ابتداء من السنة الثالثة، وتحقق وفورات صافية في التكاليف بقيمة 2.1 مليار دولار في السنة الاولى و13.7 مليار دولار على مدار السنوات الخمس. أما غير اللبنانيين من اللاجئين السوريين والفلسطينيين فيفترض تمويل دعمهم من البنك الدولي والمنح المقدمة من الاتحاد الاوروبي والمانيا بقيمة 300 مليون دولار سنوياً، تستفيد منها 240 ألف أسرة أو ما مقداره 1.3 مليون شخص يشكلون 32 في المئة من السكان.
في المقابل فان الخطة تبقي الدعم على استيراد الفيول لصالح شركة كهرباء لبنان والدواء فقط. وذلك على ان يتم تعديل المبالغ المقدمة للكهرباء بالموازاة مع تنفيذ الاصلاحات المفترضة. أما في ما يخص الدواء فان الدعم سيبقى كما هو إلى حين تنفيذ الإصلاح الشامل، على ان يترافق مع ترشيد الاستيراد ومطابقته مع المعاييرالدولية والتشجيع على استيراد الادوية الجنيسة.
الحل المنطقي للدعم الذي لا “يقتل الديب ولا يفني الغنم”، “لن يبصر النور”، بحسب الخبير الاقتصادي جان طويلة. “فعلى الرغم من أهمية الخطة، فهي تحتاج أولاً إلى موافقة السلطة التنفيذية، التي ما زال رئيسها يصر على عدم رفع الدعم والانتقال إلى الحلول البديلة. ومن ثم إلى موافقة المجلس النيابي والكتل السياسية، التي إما ستحبطها في مهدها وإما ستعمل على توظيفها في مشاريع الاستزلام والتنفيعات للمقربين منها والمحظيين”. وبحسب طويلة فانه “لو سلمنا جدلاً بان الخطة نالت الضوء الأخضر، وبدأ منذ اليوم العمل عليها، ستتطلب ما لا يقل عن 4 إلى 5 أشهر لوضع آلياتها التنفيذية وبدء تطبيقها، في حين ان احتياطيات مصرف لبنان القابلة للاستعمال لن تصمد لاكثر من شهرين على أبعد تقدير. أمّا الحقيقة المرة التي ستصطدم بها خطة الدعم، فهي ان النظام الحالي ليس من مصلحته اتخاذ خطوات لوقف التهريب، والحد من مراكمة المحظيين من التجار والسماسرة الارباح الخيالية على حساب المواطنين. وبالتالي سيعملون على تفشيل الخطة بكل الطرق والوسائل. ولن يكون هناك من حل سوى استمرار إستنزاف إحتياطيات المودعين في مصرف لبنان حتى آخر دولار.
نجاح الخطة كما قدمها نعمة يتطلب مجموعة من الاجراءات التنفيذية ومنها: إعداد مشروع قانون بالموافقة على هذا البرنامج وتأمين تمويله عام 2021 واقراره من مجلس النواب. تأمين التواصل مع المجتمع المدني والكتل السياسية. دعوة المواطنين للتسجيل في البرنامج. وجود حكومة فعلية. التوصل إلى إتفاق مع صندوق النقد الدولي. البدء في تنفيذ الإصلاحات. إقرار قانون “الكابيتال كونترول”. هذه الشروط السياسية تبدو لغاية اللحظة مستحيلة، بحسب طويلة. فالافرقاء المختلفون على كل هذه الاجراءات منذ بداية الازمة لا يظهر انهم سيتوحدون اليوم خلف خطة الدعم ولو ان البلد وصل إلى النفس الأخير”.
بعد الإنتقادات الكثيرة التي طاولته، خرج نعمة في الوقت الضائع بخطة يعلم تمام المعرفة أنها لن تمر. لكنه على الأقل حفظ ماء وجهه ونفض يديه من مسؤولية الانهيار، واضعاً إياها في مرمى السياسيين ممن يديرون دفة البلاد. خاتماً مسيرته في الحقل العام بالقول المشهور “اللهم إشهد أني بلّغت”.