توقفت منصة صيرفة بعد عامين وثلاثة اشهر على إطلاقها رسمياً في ايار 2021. تم تعليق العمل بها بكل ما شابها من ضبابية وشبهات وعلامات استفهام حول آلية عملها وهوية المستفيدين من دولاراتها التي هي دولارات مصرف لبنان وربما من بينها دولارات المودعين أيضاً.
في العام 2020 حين باشر مصرف لبنان البحث بإطلاق منصة صيرفة كان يسهدف منها المحافظة على سعر صرف الدولار عند حدود مقبولة طرح حينها 12 الف ليرة، كما تم طرحها على اساس تداول الدولار بيعاً وشراء وهو ما لم يحصل يوماً، إذ اقتصر نشاط منصة صيرفة على بيع الدولارات للعموم فقط وليس الشراء منهم.
ولم تتمكن منصة صيرفة منذ إطلاقها في ايار عام 2021 والى حين إغلاقها في مطلع آب 2023، من توحيد أسعار الصرف ولا حتى من تقريبها لا بل على العكس تماماً شكلت مورداً للدولار لزبائنها من دون كشف هوية اي منهم باستثناء الموظفين. كما أنها سلكت مسار دولار السوق السوداء ولحقت به بدلاً من ضبطه عند مستويات معينة، ووصلت في آخر ايامها الى معدل 85500 ليرة للدولار وعجزت بالتالي عن لجم سعر صرف الدولار من الارتفاع الى مستويات تفوق 143000 ليرة في آذار 2023.
مصرف لبنان وزبائنه
شكّل مصرف لبنان على مدار سنتين المصدر الوحيد للدولار المُباع على منصة صيرفة وتكبد المليارات سنوياً حتى أنه باع ما يفوق 30 مليار دولار خلال عامين لزبائن لا يعلم بوجهتهم سوى دائرة ضيقة جداً من العاملين في مصرف لبنان وعلى رأسهم الحاكم السابق للبنك المركزي رياض سلامة.
وكان البنك الدولي قد أورد في أحد تقاريره بأن منصة صيرفة تحولت إلى آلية لجني الأرباح من خلال اختلاف سعر الصرف، لافتاً إلى أن المشترين لدولارات منصة صيرفة ربما جنوا ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق سعر الصرف. واصفاً المنصة بأنها “أحد أضعف السياسات التي نفذتها السلطات اللبنانية منذ اندلاع الأزمة، وأنها غالباً ما أتت بنتائج عكسية”.
تلك النتائج العكسية إنما تتجلى بالارتفاع المستمر لسعر صرف الدولار ومراكمة أرباح سريعة لدى كبار المتمولين والتجار والمصرفيين والصرافين وسواهم. ربما نجحت منصة صيرفة في لجم القفزات المتسارعة لسعر صرف الدولار مقابل الليرة كما حدّت من تقلبات السوق لكنها في المقابل جرّت مصرف لبنان إلى لعبة المضاربات وسحب العملة وأمّنت الدولارات للتجار ما رفع الطلب على الدولارات إن للإستيراد أو التجارة والمضاربة.
ارباح صيرفة ترتفع مع حجم السيولة
ليست اتهامات المصارف والصرافين وكبار المتمولين بالإستفادة من منصة صيرفة بالعشوائية إنما هي واقع غضّ مصرف لبنان النظر عنه. فالأرباح من فارق سعر الدولار بين السوق ومنصة صيرفة كانت تتراكم وتزيد تماشياً مع ارتفاع حجم السيولة.
ففي بداية رحلة منصة صيرفة كانت محدودة السقوف لكن مصرف لبنان في مرحلة من المراحل فتح سقوفها وحولها الى أداة ربح للمتمولين. وبناء عليه باتت الارباح تكبر مع ارتفاع حجم المبالغ المتداولة والدولارات الصادرة عن صيرفة.
ليس موظفو القطاع العام الجزء الأبرز من المستفيدين؛ فأعلاهم راتباً يمكنه شراء 200 دولار عبر منصة صيرفة لا أكثر، وبالتالي يحقق ربحاً لا يزيد عن 30 دولاراً فقط. في المقابل ينقل موظف مصرفي مشهداً كان يراه يومياً في فترة فتح سقوف صيرفة، وهو تاجر يحمل إلى باب الفرع المصرفي كل يوم صباحاً 4 مليارات ليرة لبنانية يشتري فيها دولارات يبيعها للصراف المجاور للمصرف يحقق ربحاً بآلاف الدولارات ثم يعيد الكرّة صباح اليوم التالي، على ما يقول الموظف.
فمن يملك كميات كبيرة من المال كان بإمكانه شراء كميات وافرة من الدولارات. ويؤكد موظف مصرفي آخر في حديث الى “المدن” بان مديره في المصرف كان يرسل إليه حقيبة من المال يومياً لشراء الدولارات عبر منصة صيرفة من حسابي زوجته وابنه “حتى في الاوقات التي كنا نرفض فيها طلبات الكثير من المواطنين للاستفادة من صيرفة بحجة نفاذ الكوتا المخصصة لنا، كنت أمرر مرغماً طلب مديري في المصرف لشراء الدولارات” ويقول الموظف أن المئات من الأفراد حققواً أرباحاً بآلاف الدولارات نقداً من صيرفة وهم من أصحاب الرساميل.
اليوم بعد أيام على تعليق العمل بمنصة صيرفة هل يجرؤ القائم بأعمال حاكم مصرف لبنان حالياً وسيم منصوري بفتح ملف صيرفة والتحقيق بمصير مليارات الدولارات التي أهدرت عبرها؟