دفعت رهانات في توقيتات غير مناسبة على زيادة الطلب، شركة «إكسون موبيل» لمواجهة عجز يبلغ نحو 48 مليار دولار في العامين الحالي والمقبل، وفقاً لحصر أجرته «رويترز» وتقديرات الخبراء في «وول ستريت». وهو وضع سيفرض على «إكسون»، كبرى شركات النفط الأميركية، إجراء تخفيضات كبيرة في عدد العاملين بها ومشروعاتها.
بل إن المستثمرين في «وول ستريت» بدأوا يشعرون بالقلق على التوزيعات التي كانت في وقت من الأوقات أمراً تحوطه هالة من القداسة لشركة «إكسون» التي أصبحت في القرن العشرين أكبر شركة في العالم من حيث القيمة من خلال نشاطها العالمي وتوسعاتها المتواصلة والضوابط المالية الصارمة.
وكانت «إكسون» قد خرجت سالمة من سلسلة من الانتكاسات التي شهدتها في العقد الماضي وسعت تحت قيادة رئيسها التنفيذي دارين وودز، لاستعادة شهرتها برهانات كبيرة على حقول النفط الصخري وخطوط أنابيب النفط في الولايات المتحدة وعلى أنشطة التكرير العالمية وصناعة اللدائن.
كما راهنت على حقول بحرية في جيانا، حيث اكتشفت ما يصل إلى ثمانية مليارات برميل من النفط تكفي لاستمرار الإنتاج بالمعدلات الحالية ست سنوات.
غير أن قدرة «إكسون» على تمويل التوسع العالمي لم تعد مضمونة. وهذا العام اقترضت الشركة 23 مليار دولار لسداد فواتيرها وضاعفت بالتالي الدين المستحق عليها تقريباً.
وتواجه الشركة خسائر سنوية تبلغ 1.86 مليار دولار وفقاً لـ«رفينيتيف» باستبعاد مبيعات الأصول أو تقليص قيمتها.
إعادة النظر في الوظائف وتخفيض الاستحقاقات
قضى الهبوط الحاد في الطلب على النفط وأسعاره هذا العام على خطة وودز لإنفاق ما لا يقل عن 30 مليار دولار حتى عام 2025 لتنشيط الإنتاج وزيادة الإيرادات بالتوسع في معالجة النفط والأنشطة الكيماوية والإنتاج وبلعب دور قيادي في أسواق الغاز الصخري والغاز الطبيعي المسال بالولايات المتحدة والتي بدا في ذلك الوقت أنها مبشرة.
وأصبح على وودز بدلاً من ذلك إعداد الشركة للعمل في عالم تراجع فيه الطلب على إنتاجها من النفط والغاز واللدائن. وقد تم إخراج الشركة من مؤشر «داو جونز» لكبرى الشركات الصناعية في الولايات المتحدة بعد 92 عاماً.
ووضعت الشركة ما يصل إلى 10% من العاملين فيها في الولايات المتحدة لمراجعات قاسية قد تُفضي إلى فصل آلاف من العاملين من الشركة كما أنها تلغي مخصصات تقاعد سخية كانت سبباً في بقاء العاملين بالشركة 30 عاماً في المتوسط.
وامتنعت «إكسون» عن إجراء مقابلة مع أحد مديريها التنفيذيين، وقال متحدث باسمها إن تفاصيل تخفيضات التكاليف سيتم الكشف عنها في أوائل العام المقبل.
وقال المتحدث كيسي نورتون: «نحن ما زلنا ملتزمين بأولوياتنا في تخصيص الأموال والاستثمار في مشروعات صناعية متقدمة وصرف توزيعات يعوّل عليها ومتنامية والحفاظ على قوائم مالية متينة».
وأضاف أن المراجعة الحالية للمشروعات تهدف «لزيادة الكفاءة إلى أقصى حد ممكن واقتناص وفورات إضافية في التكاليف لكي نصبح في أقوى وضع ممكن» عندما تتحسن أسواق الطاقة.
وقد انخفضت أسعار النفط 35% عن مستواها في بداية 2020 مع انهيار الطلب خلال جائحة «كوفيد – 19»، وخفضت شركات «بي بي» و«رويال داتش شل» و«توتال» و«ريبسول» وغيرها قيمة أصولها في النفط والغاز بمليارات الدولارات، وهو ما لم تفعله «إكسون» حتى الآن.
وعمدت الشركات الأوروبية أيضاً إلى إضافة مشروعات في الطاقة المتجددة والكهرباء إلى محافظها كنوع من التحوط لاحتمال استمرار الطلب المنخفض على النفط والغاز.
تضاعف الديون
أظهر تحليل أجرته «رويترز» أن التدفقات النقدية بشركة «إكسون» من العمليات والتي تقدر بنحو 17.4 مليار دولار هذا العام تقل 20 مليار دولار عن الأموال اللازمة لخطة الاستثمار المخفضة للعام الجاري وتوزيعات المساهمين.
وبلغ سعر سهم الشركة في نهاية تعاملات يوم الجمعة 39.08 دولار بانخفاض 56% منذ أصبح وودز رئيساً تنفيذياً. وكان وودز قد اقترض 23.19 مليار دولار في العام الماضي لدعم الوضع المالي لكنه تعهد بعدم اقتراض المزيد، بل أصر في يوليو (تموز) الماضي على أنه لا مساس بالتوزيعات النقدية.
ويقول مستثمرون إنه سيكون من الصعب الوفاء بهذه الالتزامات. وقال محلل الأسهم بول ستانكي، لدى «ستانكي ريسيرش للأبحاث»، إن خفض قيمة التوزيعات سيكون كارثياً على سهم «إكسون» وذلك في ضوء تأكيد مديري الشركة في يوليو، أهميتها.