منذ ظهور الـ Bitcoin وهي العملة الرقمية الأبرزانقسم العالم بين مؤيد ومعارض لكن ذلك لم يمنع صعود التداول بهذه العملة بشكل صاروخي وتحوّلها الى عملة رئيسية في عدد من الدول الى جانب العملات المحلية. انطلاقاً من هذا المعطى يمكن فهم عملية التعدين التي يحكى عنها اليوم في لبنان وفق ما يشرح أبي نجم، إذ إن أية عملية تحويل للبيتكوين transactionمن فريق الى آخر تتم عبر تقنية تعرف باسم blockchain وكل عملية تحتاج الى تصديق او تدقيق ( verification) يتم بدوره عبر عملية معقدة وبواسطة أجهزة ذات تقنيات متطورة تحتاج الى انترنت سريع وطاقة كهربائية عالية لا تنقطع.
أما لماذا تم إطلاق اسم التعدين على هذه العملية فالأمر بسيط ويحتاج الى القليل من المخيلة فكما يتم في المناجم تحويل المعادن الخام الى قطع ذات قيمة او الى عملات معدنية هكذا يمكن بواسطة أجهزة التعدين الرقمية لمن يقوم بعملية التدقيق استقطاع مبلغ من كل تحويلة يتم العمل عليها ليصار بعدها الى تعدين هذه العملة الرقمية أي تحويلها الى عملة حقيقية ( بالدولار) عبر مؤسسات مختصة باتت موجودة على الأراضي اللبنانية. ورغم ارتفاع سعر الجهاز الذي يشتريه المعدّن والذي قد يصل الى 1500 دولار إلا أنه يكون قادراً على استرداد ثمنه في غضون ستة اشهر بواسطة ما يجنيه يومياً من أرباح وبعد ذلك يتحول العمل الى ربح صاف يعود على أصحابه بمردود لا بأس به من العملة الصعبة في هذا الزمن الصعب. وهذا ما دفع بالكثير من الشباب اللبنانيين الى الاستثمار في هذه الأجهزة والقيام بعمليات التعدين لتحصيل العملة الصعبة بسهولة وسرعة من دون القيام بمجهود يذكر في وقت باتت البطالة سيدة الموقف وأعداد كبيرة من أبناء الجيل الجديد بلا عمل يفتشون عن أي مصدر رزق.
لكن عملية التعدين هذه التي باتت منتشرة بكثرة في لبنان تطرح أكثر من إشكالية يقول أبي نجم الذي يؤكد أنه ليس ضدها ولا ضد العملات الرقمية بل يسعى لأن يوضح مخاطرها وأضرارها على لبنان. فأجهزة التعدين المستخدمة تحتاج الى طاقة كهربائية هائلة لا تنقطع والى استهلاك عالٍ للانترنت. من هنا السؤال الذي يطرح نفسه كيف تؤمن مزارع التعدين والمعدنون هذه الطاقة الكهربائية؟ بعضهم عمل الى تزويد مقره بألواح الطاقة الشمسية لضمان الحصول على التيار الكهربائي بشكل متواصل فيما عمد كثيرون، وهو أمر بات شبه مؤكد، الى سرقة الكهرباء بشكل غير شرعي وهذا ما انعكس على الشبكة في بعض المناطق التي لم تعد تتحمل ازدياد الضغط عليها خصوصاً أن ترهل الشبكات في لبنان أمر معروف ومفروغ منه.
أما إلإشكالية الثانية المطروحة فهي هل يمكن للبنان أن يتحمل في ظل تردي اوضاع الانترنت فيه وما يعانيه هذا القطاع من مشاكل، من زيادة هائلة في استهلاك الانترنت؟ أليس لزيادة الاستهلاك تأثير سلبي على قدرة الشبكات وينعكس سلباً على كافة المستخدمين؟
الموضوع الثاني الذي بدأ يثير الهمس والتساؤلات مؤخراً هو شبكة الهيليوم التي ذكّرت اللبنانيين بشكل أو بآخر بشبكة اتصالات سابقة سببت لهم في يوم مشؤوم مشكلة أمنية وسياسية كبرى. بداية لا بد من التعريف بما يسمى الهيليوم وهنا يقول الخبير رولان أبي نجم أنها مفهوم مختلف عن مفهوم تعدين البيتكوين وهي مرتبطة بما يعرف بانترنت الأشياء internet of things IOT اي ان العالم اليوم يستخدم أجهزة وأدوات كثيرة تحتاج الى الاتصال بالإنترنت حتى تعمل مثل كاميرات المراقبة على سبيل المثال ولذلك يجب ان يتوافر لهذه الأشياء أجهزة راوتر تتيح لها الاتصال بالانترنت او خط 3G. لكن أحياناً قد لا تكون التغطية بالإنترنت متوافرة لهذه الأشياء نظراً لبعدها عن مصدر الانترنت فكان لا بد من استخدام شبكة بديلة تعرف باسم الهيليوم. وعبر هذه التقنية يمكن للأفراد ان يقتطعوا جزءاً من الانترنت الخاص بهم في البيت او على هاتفهم وإرساله الى هذه الأشياء لتأمين التغطية لها ويتم ذلك عبر جهاز يوزع طاقة الانترنت المقتطعة على المحيط القريب.
و إذا أردنا الحديث عن الواقع القانوني لا بد أن نسأل اية قوانين ترعى هذه الأمور اليوم؟ وأين التراخيص التي تعطى للأشخاص الذين يتعاملون بأجهزة الهيليوم او الـ Mining ومن يستوفي منهم ضرائب على الأرباح أو يراقب أعمالهم؟
من جهة ثانية هل تدفع الضرائب الجمركية على الأجهزة التي تدخل لبنان عن طريقي المرفأ او المطار ولماذا ثمة أجهزة يتم إدخالها من دون رقابة او جمرك فيما أجهزة أخرى يتم توقيفها ومنع إدخالها؟ كلها أسئلة برسم الجهات الرسمية المختصة من وزارة الاتصالات الى وزارة الداخلية والمالية وغيرها التي لا تزال تتعامل مع هذا الأمر كأنه غير موجود متجاهلة ما يمكن ان يعود على الدولة منه من فوائد مالية او مخاطر أمنية.