يهدد تسارع فقدان الليرة التركية لقيمتها أمام الدولار بتقويض قبضة الرئيس رجب طيب أردوغان على الاقتصاد، والذي لطالما تفاخر بأنه المنقذ رقم واحد لنشاطه بسياساته النقدية المثيرة للجدل.
ويهدف ضغط أردوغان من أجل خفض أسعار الفائدة إلى تعزيز النمو بشكل كبير، وخلق فرص العمل وإحياء شعبيته المتدهورة قبل الانتخابات العامة في 2023، لكن الصدمات السعرية الناتجة لها تأثير معاكس.
ويقول المتابعون للشأن الاقتصادي التركي إنه بعد عقدين في السلطة، قد يواجه حزب أردوغان نقطة اللاعودة بسبب التأثيرات العميقة السلبية لتلك السياسات.
ويرى أونور آنت، المحلل الاقتصادي التركي، الذي يرأس مكتب وكالة بلومبرغ في إسطنبول، أن الضغط من أجل خفض تكاليف الاقتراض ليس بالأمر الجديد بالنسبة لأردوغان، الذي جادل منذ فترة طويلة بأن الأموال الأرخص تبطئ التضخم، وهي وجهة نظر تتحدى الاقتصاديات السائدة.
وأشار إلى أن دفع النمو الذي يغذيه الائتمان قبل الانتخابات المقبلة كان مفيدا لأردوغان في الماضي، لكن الأثر المتراكم لتلك السياسة، وزيادة التفاوتات في الدخل، والأضرار التي أحدثتها الجائحة تعني أن التكاليف الاجتماعية المحتملة أكبر بكثير.
وحذر محللون ومسؤولون قدامى في المركزي ومنافسون سياسيون من أن التضخم الذي يصل بالفعل إلى 20 في المئة، كان من المحتم أن يرتفع بشكل غير مسبوق ويجعل العديد من الأتراك أكثر فقرا وغضبا.
وكتب هاكان كارا، كبير الاقتصاديين السابق لدى البنك المركزي التركي، على تويتر “في ظل أسعار الصرف الحالية قد يتجاوز التضخم الرسمي 30 في المئة في الأشهر المقبلة”. وأضاف “إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لن يتمكن النظام المالي من مواجهة ذلك”.
ومارس أردوغان ضغوطا على المركزي لخفض أسعار الفائدة، وذلك حسبما يقول، بهدف تعزيز الصادرات والاستثمار والوظائف حتى مع ارتفاع التضخم وتسارع انخفاض قيمة العملة، مما يؤثر بشدة على عائدات الأتراك.
وعلى الرغم من أن أردوغان أظهر مرارا أنه قادر على تغيير السياسة عندما يواجه اضطراب السوق، لكن الإشارات كثيرة على أن هذه المرة قد تكون مختلفة.
وتقول فينيكس كالين، المحللة الاستراتيجية في بنك سوسيتيه جنرال، إن “عتبة الألم الآن أعلى بكثير قبل أن نرى انعكاسا للمسار، بالنظر إلى معارضة الرئيس أردوغان الراسخة لرفع أسعار الفائدة وتأثيره الأكبر على اتجاه السياسة النقدية”.
وأوضحت أنه من الضروري هذه المرة تخفيض قيمة العملة بشكل أكبر بكثير.
وأشار المركزي التركي، الذي اكتفى بالبيانات قبل رفع طارئ خلال فترات تقلب الليرة السابقة، إلى أن مثل هذا الإجراء لا يزال غير مرجح.
وفي لهجة حادة أكد أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي عن الاقتصاد التركي أن مواطن الضعف الخارجية التي كانت تعاني منها تركيا بالفعل زادت سوءا بسبب الجائحة.
وأشار الصندوق إلى أن القلق المتأتي يتمثل بوجه خاص في حقيقة أن احتياطيات تركيا من النقد الأجنبي تقدر بالسالب الآن، وهناك احتياجات كبيرة للغاية إلى التمويل الخارجي، نتيجة سنوات كثيرة من حالات العجز في الحسابات الجارية الخارجية.
ويرى محللون أن انخفاض الليرة دليل دامغ على العقد الماضي المزعج الذي شهدته البلاد، حيث أدت الاضطرابات السياسية إلى تآكل الثقة في الاقتصاد التركي البالغ 750 مليار دولار.