سلّط وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض، خلال مقابلة مع صحيفة «نداء الوطن»، الضوء على عدة ملفات صحية واستشفائية حسّاسة ومهمة تعني المواطن بشكل خاص… الوزير طمأن الى أن أدوية السرطان مؤمّنة 3 أو 4 أشهر، بعد أن تقرّر تأمين ما يعادل 45 مليون دولار لهذه الأدوية، وأما عن أزمة غسيل الكلى فلفت إلى أنه يتمّ العمل على عدة حلول كي لا يتكبّد المريض تكاليف إضافية، هذا واستبشر خيراً من دمج المستشفيات الصغيرة مع المستشفيات الكبيرة. وفي ما يلي نص المقابلة:
هناك معلومات عن ضمّ مستشفيات صغيرة إلى مستشفيات كبيرة بعد تعثّرها بفعل الأزمة؟ فهل هذا مؤشر على تراجع الواقع الاستشفائي أم تقدّمه؟
– دمج المستشفيات الصغيرة مع المستشفيات الكبيرة فرصة لتطوير وتحسين الأداء الإداري ومستوى الخدمات. هو أولاً يسمح بالادّخار في عدة مجالات، فالمستشفيات المجتمعة معاً تستطيع الحصول على عروض أفضل في شراء مستلزماتها، لأنها في هذه الحال تشتري بالجملة أكثر. كذلك فإن المستشفيات من خلال استيعاب بعض الأقسام تخفّف على المستشفيات الصغيرة أعباء تسيير تلك الأقسام التي من الممكن ألا تكون منتجة. وفي دولة صغيرة كلبنان، هذا يسمح للمواطن بالحصول على الخدمات أحياناً بأسعار أفضل. ونحن عندما نتواصل مع هذه المستشفيات نكتشف أن هذا الدمج ليس على حساب الطاقم البشري، أي بمعنى آخر ليس هناك صرف من العمل. برأيي، الطريقة التي يتم الدمج فيها هي مؤشّر جيّد.
ومن جهة أخرى، في أغلب الأحيان يكون الدمج من خلال استحواذ مستشفيات جامعية على مستشفيات خاصة، ما يترجم بجلب الخبرات والجودة العالية لخدمات هذه المستشفيات الجامعية إلى المستشفيات الصغيرة والتي في معظم الأحيان تتمركز في المناطق النائية. وهذ أمر جيد، إذ إن المريض يحصل على خدمة جامعية في محل إقامته، وفي هذه الحال لم يعد ملزماً بالذهاب إلى بيروت.
ماذا عن أزمة المستشفيات مع الجهات الضامنة، حيث المواطن هو من يدفع فرقاً كبيراً، كما أن وزارة الصحة لم تعد تغطّي أغلبية العمليات، وفي بعض الأحيان يتسبّب ذلك في وفاة المريض بسبب عدم قدرته على دفع التكاليف العالية؟
– السبب الأساسي لاضطرار المريض إلى دفع الفروقات هو تقليص ميزانية وزارة الصحة العامة بشكل كبير: فبعد أن كانت تبلغ حوالى الـ 300 إلى 350 مليون دولار، باتت تبلغ اليوم بما يعادل 30 إلى 35 مليون دولار تقريباً أي 10% من القيمة السابقة. لهذا السبب فإن وزارة الصحة في بعض الأوقات غير قادرة على تأمين التغطية 100% كالسابق، ولكن في المقابل نحن نعمل على حلول في هذا الملف للتخفيف عن كاهل المواطن إن عبر مشروع القرض مع البنك الدولي أو عبر إعادة النظر بالتغطية وتركيزها على الأمور الحيوية للمريض والتخفيف عنه بدفع الفروقات.
نحن قمنا بالخطوة الأولى، والخطوة الثانية هي إعادة دراسة التعرفات ورفعها ونتوقّع القيام بذلك في بداية العام 2024 مع الموازنة الجديدة لوزارة الصحة والتي ارتفعت حوالى الأربعة أضعاف إذا أقرّت في مجلس النواب.
إنتهت تقريباً مبالغ حقوق السحب الخاصة، فكيف ستتمّ تغطية الأدوية السرطانية؟
– تأمين التمويل لأدوية السرطان هو من أولوياتنا اليوم. وأُخذ قرار في هذا المجال في مجلس الوزراء ينصّ على تأمين ما يعادل حوالى 45 مليون دولار لهذه الأدوية، ما سيسمح بالاستمرار في تأمينها من ثلاثة إلى أربعة أشهر مقبلة.
نحن نعمل مع جميع الجهات الضامنة للبحث في كيفية تأمين التمويل للاستمرار بهذه العملية. في موازنة العام 2024 وتحديداً بند الأدوية يمكننا أن نلاحظ أن التمويل ارتفع بحوالى سبعة الى ثمانية أضعاف. وهذا التمويل سيستثمر في سبيل أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية خاصةً أننا نركّز جهودنا على الأدوية المنقذة للحياة، ونرى أن هذه هي إحدى الوسائل لتأمين التمويل المطلوب، والموضوع الثاني هو وجوب وقف الهدر، ومن هنا أهمية نظام التتبّع «Meditrack» ومنصة «أمان» ما سمح بضبط هذا الهدر والفساد، كما يساهم بالتأكد من اتباع بروتوكولات عالمية لإعطاء الأدوية ويساعد بتخفيض فاتورة الدواء بحوالى 40%، ومن جهة ثالثة، هناك الكثير من المساعدات لعلاج أمراض السرطان تقدّم إلى لبنان. وهذه المقاربات الثلاث التي ذكرتها تسمح بوضع حلّ مستدامٍ لهذا الموضوع.
ولكن تجدر الإشارة إلى إعادة دراسة بعض الممارسات التي كانت قائمة في لبنان وهي تغطية 100% لأي دواء جديد من غير القيام بدراسات جدوى كما تقوم البلاد الأخرى كفرنسا وبريطانيا وغيرهما. ويتمّ اليوم إنشاء عدة وحدات في الضمان الاجتماعي ووزارة الصحة لدراسة جدوى الأدوية الجديدة ما يسمح بتفادي وقوع الجهات الضامنة في العجز وعدم قدرتها على تمويل الأدوية.
في ملف غسيل الكلى، كيف سيتحمّل المواطن هذه الأعباء وبخاصة أنها مكلفة وهو بحاجة إلى جلستين أو ثلاث في الأسبوع؟
– الوزارة والجهات الضامنة على تواصل كامل في هذا المجال، ومرضى غسيل الكلى أولوية. ونعمل على عدة حلول كي لا يتكبّد المريض تكاليف إضافية. الخطوة الأولى كانت تسديد مستحقّات المستشفيات والأطباء. والجيد أن وزارة المالية ومصرف لبنان بدآ بتحويل هذه الأموال. وكما وعدنا نقابة المستشفيات ستكون هناك إعادة دراسة للتعرفة كي نتأكّد أنها تعكس الواقع، ونتوقّع بأن تعقد جلسة مع نقابة المستشفيات والجهات الضامنة في الأسبوعين المقبلين للبحث في هذا الملف.
ما سبب الارتفاع المستمرّ في أسعار الأدوية؟ وماذا عن تفلّت التسعير من صيدلية إلى أخرى؟ حيث إن مواطنين لجأوا إلى الدواء السوري والإيراني كبديل؟
أسعار الأدوية تعكس أن أغلبها مستورد بالعملة الصعبة، ما يجعل ثمنها في السوق اللبنانية يبدو مرتفعاً بالليرة. ولكن إن قارنّا ثمنها بالدولار يتّضح العكس. إن ثمن بعض الأدوية في لبنان انخفض وذلك بسبب سياسة وزارة الصحة بفتح تسريع عملية تسجيل الدواء خاصة الأدوية الجنيسية «generic» التي انخفضت أسعارها بالنسبة للأدوية الأخرى. كما أن الصناعة الدوائية المحلية ساهمت أيضاً في تخفيض هذه الأسعار من خلال تصنيعها أدوية بأسعار منافسة لتلك المستوردة. ولكن من جهة أخرى الأزمة الاقتصادية والمالية أضعفت القدرة الشرائية للمواطن ما يجعل أسعار الأدوية مرتفعة بالنسبة له. ونذكّر هنا بالتطبيق الذي أطلقته وزارة الصحة «Med Leb» الذي يسمح لأي مواطن بمسح الباركود في الصيدلية ومعرفة سعره حسب لائحة الأسعار الرسمية الموضوعة من قبل الوزارة. وفي حال الغش يمكن للمواطن الاتصال بالوزارة. ونحن نتابع هذه المواضيع عن كثب ونتّخذ الإجراءات اللازمة بحق الصيدلية المخالفة.
أما في موضوع تهريب الأدوية إلى لبنان من قبل بعض التجار، فإن وزارة الصحة قد حذّرت المواطنين وطلبت وجوب الانتباه. إذ إن هذه الأدوية تدخل إلى لبنان من غير التأكّد من جودتها، ومن الممكن أن تكون ملوّثة أو مزوّرة ولا تحتوي حتى على الدواء. والأمر لا ينحصر فقط بالأدوية السورية أو الإيرانية فنحن نرى أيضاً أدوية تركية. والمواطن «ينغرّ» بظاهرها لثمنها المنخفض، ولكن أعود وأذكّر أنّها في معظم الأحيان قد لا تحتوي حتّى على الدواء.
وفي هذا الموضوع، فإن وزارة الصحة من خلال برنامج التتبّع، الذي جاء بنتائج ممتازة في ما يخص أدوية السرطان والأمراض المزمنة، سيسمح للمواطن بالتأكد من معرفة ما إذا كان الدواء قد دخل بطريقة شرعية ومضمونة، هذا يساهم بالتأكد من سلامة الدواء الذي يستهلك.
نسبة من الأطباء والممرّضين هاجرت من لبنان، فهل هناك نقص الآن؟ وما مدى تأثير ذلك على الواقع الاستشفائي؟
– الأزمة الإقتصادية تسبّبت من دون شك في هجرة أعداد كبيرة من الأطباء والممرّضين من لبنان. ولكن بحسب ما أعلمتنا نقابة الأطباء والنقابات الأخرى، لم تعد هناك موجة هجرة كبيرة، بل بالعكس. فبحسب نقيب الأطباء في بيروت بدأنا برؤية عودة عدد من الأطباء إلى لبنان. لكن يجب التسريع في إيجاد حلول لنستطيع تخفيف هذه الهجرة أو حتى دفع الأشخاص إلى العودة.
كيف تقيّمون واقع المستشفى الحكومي؟
– ما من شك في أن المستشفيات الحكومية أثبتت خلال الأزمة أنها كانت الملجأ للأمور الصعبة التي مررنا بها. ففي أزمة كورونا كان المستشفى الحكومي هو من استقبل العدد الأكبر من المرضى، وكذلك في فترة الكوليرا. ونرى اليوم أن هذه المستشفيات الحكومية هي الملاذ الأول للطبقات الأكثر هشاشة.
وبمقابل الأعباء التي تتحمّلها المستشفيات الحكومية يتوجّب علينا تأمين كامل الدعم خاصةً للعاملين فيها، الذين كما العاملين في القطاع العام، لم نرَ حتّى الآن تصحيحاً وافياً لرواتبهم. ونحاول كوزارة تأمين المساعدات لهم. هذا القطاع يستحقّ من الدولة اللبنانية دعماً أكبر كي تستمرّ هذه المستشفيات بخدمة المواطنين.
ما هي نظرتكم المستقبلية للواقع الصحي بشكل عام؟ وهل من خطط لحماية القطاع من الانهيار الإضافي؟
أظهر القطاع الصحي في لبنان قدرة عالية على الصمود بعدما مرّ بتحديات كبرى إن كان خلال أزمة كورونا، الأزمة الاقتصادية، انفجار المرفأ وغيرها من الأزمات المتتالية. ومع ذلك نرى أن المستشفيات لا تزال صامدة وتقدّم الخدمات إلى المواطنين. وفي الأسبوع الماضي افتتحنا سبعة مؤتمرات طبية في لبنان بمختلف التخصّصات. ونشاهد أن الخدمات الطبية التي تقدّم في لبنان لا تزال من الأفضل في المنطقة ما يدفع السياحة الطبية إلى الاستمرار، وكلنا أمل في أن هذا القطاع سيستمرّ بإيجاد الحلول كي يبقى صامداً.
المشكلة الأساسية التي يُواجهها المواطن لا تكمن في انهيار القطاع الصحي بل في كلفة الخدمات بسبب الأزمة الاقتصادية والمالية. لم تعد التغطية مؤمّنة دائماً من الجهات الضامنة. ومن هنا نجد أن هناك عدم مساواة في الوصول إلى الخدمات الصحية بين طبقات المجتمع، وأعتقد أن هذا الموضوع أساسي للعمل عليه لضمان وصول المواطن، بغض النظر عن قدراته المالية، إلى الخدمات الطبية، وهذا هو التحدي الأكبر. وأما حلّ هذه المشكلة فيرتبط بشكل أساسي في حل المشاكل في القطاعين الإقتصادي والمالي على حد سواء.