مع استمرار تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، ستكون هناك عواقب طويلة الأجل ستلمس جميع القطاعات، وهذه لمحة عن مستقبل قطاع النقل الجوي.
في مقال نشره موقع “بلومبيرغ” (bloomberg) الأميركي، قال الكاتب ديفيد فيكلنغ إنه خطط لقضاء عطلة رفقة زوجته لكنه خاض تجربة مزرية.
وأوضح أنه في غضون ساعات من الإعلان عن فتح حدود كوينزلاند، استأنفت عملية بيع التذاكر لعدد قليل من الرحلات الجوية المتجهة شمالا، ومع توفر عدد قليل جدا من المقاعد، لجأت الشركات إلى اعتماد إستراتيجية إدارة العائدات، التي تعتمد على رصد الطلب في كل دقيقة على مقاعدها، ورفع الأسعار وفقا لذلك، وهذا ما ساهم في ارتفاع سعر التذاكر بشكل كبير.
وأشار الكاتب إلى أنه أنفق أكثر من 40% من المبلغ المفترض عليه دفعه، لأنه لم يتمكن من الحجز في وقت أبكر، وهذه لمحة عما ينتظر المسافرين مع خروج العالم من سبات “كوفيد-19” على مدى العامين المقبلين.
ومن المتوقع أن تنخفض حركة النقل الجوي العالمية بمقدار النصف على الأقل في عام 2020، وتعتقد معظم شركات الطيران أن نموها لن يعود إلى مستويات ما قبل الجائحة حتى عام 2023، على أقل تقدير، وحتى ذلك الحين، ستشهد هذه الصناعة فترة من الكساد، على عكس ما هو متوقع.
عواقب مالية
ستكون العواقب المالية لشركات الطيران الكبيرة وموظفيها مؤلمة، وسيتعين على الركاب تحمل عبء هذه التكاليف، كذلك سوف تغير عملية التعافي الطويلة المدى الكثير من الجوانب في الرحلات الجوية والتي سيشعر بعبئها المسافرون.
ونوه الكاتب بأن انخفاض الرحلات الجوية التي يجريها رجال الأعمال يشكل أكبر تهديد لهذه الصناعة، حيث يمثل المسافرون من الدرجة الممتازة حوالي 5% من حركة النقل و30% من عائدات شركات الطيران، مما سيدفع شركات الطيران إلى بيع تذاكر اقتصادية بأسعار مخفضة.
لكن من المحتمل أن ميزانيات الشركات المحدودة والطفرة في استخدام مؤتمرات الفيديو خلال فترة الإغلاق أدت كلتاهما إلى القضاء على جزء كبير من عائدات هذه الصناعة.
ويتوقع حوالي 60% من مديري شركات الطيران الذين شملهم الاستطلاع الذي أجرته شركة “بي سي دي ترافل” في أبريل/نيسان، أن يكون معدل الرحلات التي يجريها رجال الأعمال منخفضا حتى بعد الجائحة.
ومن بين جميع تذاكر الدرجة الاقتصادية والأولى التي وقع شراؤها من قبل الشركات، قال بن بالدانزا، الرئيس التنفيذي السابق لشركة النقل الجوي “سبيريت إيرلاينز” (Spirit Airlines)، “إن 10% إلى 15% منها لن تعود أبدا”.
وأضاف بالدانزا “إن مكالمات الفيديو كانت موجودة قبل جائحة كوفيد-19، ولكن باتت الشركات تملك خبرة في استخدامها وتثق فيها”.
وعادة ما تؤدي فترات الركود إلى تراجع معدل الرحلات الجوية لمدة ثلاثة أعوام، ومن المرجح أن تكون فترة الركود الحالية التي يشهدها العالم فريدة من نوعها على مستوى شدة وطأتها واستمراريتها.
ووفق بالدانزا، من المحتمل أن تتواصل معاناة عمليات الشحن البعيدة المدى حتى بعد خمسة أعوام من الآن، وقد تجلب الأيام الأولى لفترة التعافي معها الكثير من الصفقات الرابحة، حيث ستحاول شركات الطيران جذب مزيد من الركاب، على الرغم من ذلك، سيتعين على هذه الصناعة أن تسوي جبل الديون الذي يقع على كاهلها.
لن تكون هناك طفرة
الشركات التي لديها ديون صافية تزيد على أربعة أو خمسة أضعاف حجم الأرباح قبل الفائدة والضرائب والإهلاك واستهلاك الدين، معرضة لخطر عدم القدرة على سداد ديونها.
في المقابل، ستكون بعض شركات النقل قادرة على تحمل عبء الأزمة بشكل أفضل من غيرها، وينبغي على الشركات التي تتمتع بمكانة مهمة في الأسواق المحلية الكبيرة، والتي نجت من أزمة “كوفيد-19″، مثل أستراليا واليابان والصين، أن تسجل أداء أفضل، وكذلك شركات الطيران الإقليمية الآسيوية وشركات الطيران المنخفضة التكلفة في الاتحاد الأوروبي.
ومن المحتمل تعاظم الضرر الذي سيلحق شركات الطيران المتمركزة في الأسواق المحلية الكبيرة، مثل الولايات المتحدة والهند والبرازيل وروسيا، ناهيك عن أنها ستجد صعوبة أكبر في تجاوز الأزمة.
ويرجح أن يكون أسوأ المتضررين هم حفنة من شركات الطيران التي أمضت العقدين الماضيين تتطلع إلى ربط العالم بصفتها من شركات النقل الدولية.
وأوضح الكاتب أنه سيكون من المستحيل على الدولة أن تتملص من لعب دور مهم في هذا القطاع خلال العقد المقبل، وقد قدمت الحكومات بالفعل حوالي 123 مليار دولار من المساعدات، أي ما يعادل قيمة أرباح الصناعة خلال الأعوام الأربعة الماضية.
من جهتها، أفادت بلومبيرغ نيوز الأسبوع الماضي، بأنه من المرجح أن تسدد شركة “لوفتهانزا أي جي” (Lufthansa) ديونها بدلا من شراء طائرات جديدة خلال السنوات القليلة المقبلة.
في حين ستسحب الخطوط الجوية البريطانية التابعة لمجموعة الخطوط الجوية الدولية المدمجة، أسطولَها المكون من 747 طائرة، وستحتاج العديد من شركات الطيران إلى دعم مستمر من الدولة، بالإضافة إلى عمليات الإنقاذ التي حدثت بالفعل.
رسوم إضافية
في كلتا الحالتين يبدو مستقبل تلك الشركات غامضا، وستتجه شركات النقل التي لا تتلقى الدعم الحكومي نحو الإفلاس، وسيمر الركاب بتجارب غير سارة، فمن غير المحتمل أن تجد نفسك محاطا بمقاعد شاغرة بعيدة عن الآخرين، حتى شركة إيزي جيت، التي اقترحت هذا الإجراء في أبريل/نيسان، ألغته إثر ذلك، فلا تستطيع شركات الطيران كسب المال ما لم تملأ 80% من مقاعد الطائرة.
والإيرادات الإضافية في بعض الخدمات من قبيل رسوم الأمتعة والمساحة الإضافية لراحة الأقدام والوجبات التي تتناولها على متن الطائرة وحجوزات تأجير السيارات والفنادق، ارتفعت خمسة أضعاف خلال العقد الماضي لتصل إلى 109.5 مليارات دولار العام الماضي.
ويمثل ذلك أكثر من 12% من إجمالي إيرادات شركات الطيران، وفي بعض شركات الطيران منخفضة التكلفة، تصل إلى ثلث الإجمالي، وستوفر فترة ما بعد الوباء لشركات النقل سببا للتوقف عن توزيع الطعام والشراب المجاني الذي يمكن أن يحمل العدوى، وستصبح باهظة الثمن في المستقبل، كما سترتفع رسوم الأمتعة على حد سواء.
في الحقيقة، خلال فترة ما بعد الوباء، قد تبدو التذاكر رخيصة شكليا فقط، والركاب على استعداد للتغاضي عن جميع العوائق مقابل أسعار أرخص.
لكن شركات النقل التي ستنجو من هذه الأزمة ستحصل على مزيد من القوة بفضل انهيار السوق أو الاستحواذ على منافسيها، مما يجعلها في وضع جيد لفرض الأسعار المرتفعة التي ستحتاجها لسداد ديونها.
المصدر : بلومبيرغ