دخلت وزيرة العدل ماري كلود نجم جلسة مجلس الوزراء “مستعرضة” تمنيها في إقرار “آلية تعيين أعضاء اللجنة التي ستتولى مهمة إجراء مسح لثروات الموظفين الرسميين”، ولو أنّها تعلم جيداً أنّ الجلسة ما كانت لتعقد لولا التفاهم الذي سبقها والقاضي بتأجيل النقاش العميق في هذا البند ريثما يتمّ الاتفاق على آلية علمية لتعيين أعضائها، تحول دون تحولها إلى منصة للتشهير بمن سيتم استدعاؤهم للمثول في حضرتها، أو إلى سيف من الكيدية مصلت على الرقاب.
ويكمن الدليل على الخلاف الحاصل حول هذه اللجنة، في ما ادلى به وزير الأشغال العامة ميشال نجار الذي لم يتردد في القول إنّ فريقه السياسي أي “تيار المردة” غير موافق “على تعيين اللجنة التي ستدقق بالثروات لأنها تتعارض مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والحصانة التي يتمتعون بها كما أنها قد تكون وسيلة لممارسة الكيدية”. وسليمان فرنجية لا يحتاج للكثير من الحجج كي “يتمرد” على حكومة لا يستسيغها بالأساس.
ماذا ورد في رواية تشكيل هذه اللجنة؟
تضمن جدول أعمال مجلس الوزراء في بنده الخامس “عرض وزارة العدل التدبير السادس الوارد ضمن التدابير الآنية والفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه موضوع قرار مجلس الوزراء رقم 17 تاريخ 12/5/2020 لجهة المعايير والأصول التي يقتضي اعتمادها لتعيين أعضاء اللجنة التي ستتولى مهمة اجراء مسح شامل لثروات جميع الاشخاص الذين شغلوا أو يشغلون مناصب دستورية أو قضائية أو عسكرية أو ادارية…”.وفق المعلومات، شهدت وزراة العدل خلال الأسابيع القليلة الماضية نقاشاً حاداً بين مساعدي ومستشاري وزيرة العدل بحثاً عن آلية تنفيذية لقرار مسح ثروات من تولوا وظيفة عامة. بدا التضارب بين صلاحية اللجنة المنوي انشاؤها وبين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والتي يفترض تشكيلها في وقت قريب أيضاً، واضحاً وجلياً. كذلك الوضع مع المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. ومع ذلك أصرت وزيرة العدل على رفع قرار انشاء لجنة إلى مجلس الوزراء للبتّ به.
لا بل أكثر من ذلك، احتل النقاش حول صلاحية هذه اللجنة وما يمكنها أن تقوم به، حيزاً واسعاً من الجلسات التحضيرية، وكيف سيتم تعيين لجنة قد تصير أشبه بـ”محاكم عرفية”، ومن سيتولى هذه المهمة، ولكن من دون نتيجة مرجوة.
وما كان يخشاه البعض، تحقق بالفعل حين أدرج البند على جدول أعمال مجلس الوزراء. اشتدت المعارضة من داخل الحكومة وتحديداً من جانب الثلاثي “حزب الله”، حركة “أمل” و”تيار المردة” رفضاً لتشكيل آلية يشوب الغموض والأهداف عملها بفعل تضارب الصلاحيات مع غيرها من الهيئات الرقابية، لأنها قد تتحول في أي لحظة الى منصة لاستعراض بطولات وهمية واستدعاءات كيدية لا تهدف سوى للضغط على المستدعين.
وفق بعض المعنيين بهذا الموضوع، فإنّ جملة التدابير التي اتخذها مجلس الوزراء لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة، تنم عن نية حسنة لمكافحة الفساد، لكن التنفيذ دونه الكثير من العقبات. يقول هؤلاء إنّ العلة ليست في غياب الهيئات الرقابية ولا في القوانين المرعية الاجراء التي تتيح مكافحة الفساد عبر الكثير من الآليات التطبيقية، وإنما في الارادة على العمل. ويسأل هؤلاء: إنّ قانون الإثراء غير المشروع يسمح بتحرك النيابات العامة التي تخضع لسلطة وزيرة العدل في حال وجود شبهات اثراء غير مشروع، فلماذا لا تبادر وزيرة العدل الى تحريك النيابات؟ وبالتالي ما هو دور هذه اللجنة؟ وكيف يمكن تحصينها من الأهواء الثأرية؟
يشيرون إلى أنّ اللجنة المنوي انشاؤها قد تستدعي أي شخص فقط لأنها اشتبهت بمظاهر الثراء عليه من دون أن تتمكن من كشف حساباته المصرفية، للتأكد ما اذا كانت مظاهر الثراء هذه هي نتيجة أعمال مشبوهة ترتبط بوظيفته أم لا. وإلى حين التأكد من الحقائق، يكون الشخص قد دفع ثمن التشهير به قبل ثبوت براءته.
على هذا الأساس، سارع الثلاثي المذكور، أي “المردة”- “حزب الله”- “أمل” إلى تطويق النقاش حول هذه اللجنة وكيفية تشكيلها والصلاحيات التي قد تمنح لها كي لا تصير “محكمة خاصة” يديرها فريق محدد وفق حساباته السياسية.