قبل أن تصل وزارة الأشغال لتحديد علاجاتها «الموقتة» على طريق ضهر البيدر من أجل الحدّ من مخاطر إنهيار جزء من تربة الجبال الملاصقة له، وتدعيم الجزء المتصدّع من البنية التحتية للطريق بمحلة «جسر النملية»، إنهار جزء آخر من حائط الدعم الذي ذكر أنه مشيّد منذ عهد الإنتداب الفرنسي، ليصبح التخبّط سيّد الموقف على المستوى الرسمي.
فقبل ساعات فقط من الإنهيارات المتجدّدة في بنية الطريق التحتية، كان وزير الصناعة جورج بوشيكيان قد تواصل مع محافظ البقاع كمال أبو جوده لحثّه على زيادة عدد الساعات التي يسمح فيها للشاحنات بسلوك هذا الطريق، بعد قرار اتخذته المحافظة منذ التصدعّات الأولى التي شهدها الطريق في الأسبوع الماضي بالحدّ من ضغوطات الشاحنات المضاعفة عليها. لم يترافق طلب بوشيكيان بالطبع مع إنتهاء الأعمال بتدعيم الجزء الأول المتصدّع من دعامات الطريق، وإنما قد يكون نتيجة لضغوطات مارسها سائقو الشاحنات أو أصحابها، تجنّباً لمشقتهم المضاعفة في سلوك طريق ترشيش – ضهور الشوير زحلة، وقد أصبح خيارهم الوحيد إثر قرار المحافظة.
إلا أنه قبل أن يحدّد محافظ البقاع موقفه من هذا الطلب، إضطر مساء الأحد الى إتخاذ قرار طارئ، منع بموجبه الشاحنات من سلوك طريق ضهر البيدر بشكل كلّي، عازياً ذلك الى إنزلاقات جديدة حصلت في الطريق، وتبيّن أنها تقع على بعد كيلومترات قليلة من الإنزلاق الأول.
في الطريق الى ضهر البيدر لمعاينة مكان الإنزلاق الجديد، تبيّن أن وزارة الأشغال لم تباشر حتى الآن بأي إجراء لتدعيم الجزء الأول المتصدّع من دعائم الطريق. وما ظهر من إجراءات متّخذة في الجبل المحاذي لهذه التصدّعات، وقد شهد إنهيارات كبيرة في تربته، كان وضع بضعة صخور وعوائق أخرى، بدا واضحاً أن وظيفتها تجنيب العابرين من مخاطر الإنهيارات المتجددة، وبالتالي الحفاظ على السلامة العامة، حتى لو بدا مثل هذا الإجراء بعيداً من تحقيق أهدافه.
في المقابل، حدّدت عوارض بلاستيكية موصولة بأشرطة ولافتات تحذير، مسرح الإنهيارين المتتاليين، وقد ظهر خلفهما حجم التصدّع الذي خلّفه إنهيار الدعامات، سواء في الجزء الاول المتصدّع من الطريق أو في الجزء الثاني.
وبينما أرسلت وزارة الأشغال فنيّيها والإستشاريين مجدّداً لتحديد العلاجات «الموقتة» للطريق منعاً لإنهياره الكلي، جاءت تغريدة لوزير الأشغال علي حمية على «أكس»، لتلقي الضوء على واقع مرير يواجهه الطريق والوزارة معاً. وهكذا، بدل أن يطمئن وزير الأشغال المواطنين الذين يشكّل طريق ضهر البيدر شريان تواصلهم الأساسي مع سائر المناطق اللبنانية، زاد الهمّ على قلوبهم. فمن سوء حظ طريق ضهر البيدر وسالكيه الذين يتحمّلون المخاطر اليومية منذ سنوات طويلة، أن الدراسات الفنية لإعادة تأهيله لم تتحقق سوى سنة 2019، أي بالتزامن مع إنفجار الأزمة المالية اللبنانية. وعليه كان من الطبيعي وسط «الإفلاس» الذي ضرب البلد وخزينته العامة، أن تبقى الدراسة حبراً على ورق.
نبش وزير الأشغال هذه الدراسة بالتزامن مع الإنهيارات التي انفجرت بوجهه، ليجعل من سوء أحوال هذا الطريق وطرقات لبنان الأخرى، ورقة ضغط من اجل زيادة ميزانية وزارته من ضمن الموازنة العامة. وبحسب حمية في تغريدته، فإن المبلغ الذي حدّد لتأهيل الطريق في سنة 2019، كان 20 مليون دولار، إلا أنه أصبح غير كاف مع توالي الإنهيارات على هذا الطريق. فاغتنم وزير الأشغال الفرصة أيضاً للإعتراض على المبالغ المخصصة لصيانة الطرقات من ضمن موازنة 2024 وقد حدّدت وفقاً لحمية بـ 60 مليون دولار، وهي برأيه لا تغطّي 20 بالمئة من الحاجة. وعليه، زفّ حمية للمواطنين «بأنّ تدخّل وزارة الأشغال في معالجات ظرفية على طريق ضهر البيدر لن يكون كافياً»، رابطاً العلاجات الجذرية لأحوال الطريق بتوفر المال. هذا المال الذي كان متوفراً في السابق، وبقيت فضائح سوء إستخدامه مطمورة، إلى أن بدأت العوامل المناخية بتعريتها، الواحدة تلو الأخرى.