من يقرأ التعاميم الأخيرة لمصرف لبنان خصوصاً رقم 148 المعروف بتعميم الـ 3000 دولار لصغار المودعين وتعميم الـ 151المتعلق بالسحب من حساب الدولار باللبناني على أساس سعر الـ 3000 ليرة، يظن للوهلة الأولى انها تهدف فعلاً الى حماية صغار المودعين، ولكن مع بدء تطبيق هذين التعميمين تبين ان هناك ثغرات قانونية قد بدأت تتجلى في نماذج الكتاب الذي يقوم العميل بتوقيعه دون الاطلاع على كامل مضامينه في أغلب الأحيان، خصوصاً وان هذه النماذج تُعد مسبقاً من قبل المصارف.
أسئلة كثيرة تناقلها المواطنون في الفترة الأخيرة، خصوصاً وان بعض المصارف قد لجأت الى التحايل على بعض النصوص هذه التعاميم، وذلك لمنافع خاصة، ما دفع ببعض العملاء الى العزوف عن التوقيع وعدم الرغبة في الاستفادة “منافع” هذه التعاميم التي ظاهرها فيها الرحمة وباطنها فيها العذاب!!
مرقص: لصدور تعميم جديد يفسرّ هذه التعاميم ويوقف تحايل بعض المصارف
في هذا السياق، يحذر المرجع القانوني و رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص من ظاهرة الاستهانة بمضامين التعاميم الرقابية والإطالة في تطبيقها، ويقول لـ”الاقتصاد”: الأخطر من هذا هو التحايل على نصوص هذه التعاميم لمنفعة ضيّقة لدى بعض المصارف خلافاً لما يجب أن يتّسم به المصرف من صفات المهنية والإئتمان و”الأب الصالح” والعناية بشؤون العميل “كما يسهر على صيانة أشيائه الخاصة” بمفهوم قانون الموجبات والعقود”.
يضيف: ” اذا نظرنا الى التعميم رقم 151 على سبيل المثال، نلاحظ انه يشدّد على ضرورة توافر رغبة عميل المصرف، والذي لا يمكن الزامه بتحويل كامل رصيده في الحساب الى الليرة اللبنانيّة، بل يفهم من هذا التعميم أنه بامكان العميل طلب سحوبات بالليرة اللبنانية فيستطيع أن يقوم بها انطلاقاً من حسابه بالدولار عبر تخويل المصرف بالتحويل وفق سعر الصرف السائد بتاريخ طلب العميل. وهذا يعني أن إرادة العميل وحرية اختياره هي الأساس، وبالتالي لا يمكن الزام العميل بتوقيع نموذج كتاب أعدّه المصرف خلافاً لإرادة العميل، وهذا يسمى عقد إذعان contract d’adhésion”.
يتابع: “كل كتاب عام مطلق على هذا النحو من الشموليّة والاطلاقيّة يلزم العميل بتخويل المصرف تحويل كامل رصيد حسابه بالدولار الى الليرة اللبنانيّة هو مخالف للتعميم المذكور كما وأنه مخالف أساساً للفقرة / و/ من مقدمة الدستور التي تنص على أن النظام الاقتصادي ليبرالي حر يكفل الملكيّة الخاصة التي بدورها تعيد التأكيد عليها في متن الدستور وتحديداً في المادة /15/.”.
يختم مرقص حديثه بالقول: ” لكأنما أصبح هناك ضرورة لصدور تعميم جديد من قبل مصرف لبنان وذلك من أجل تفسيرهذه التعاميم، لوقف تحايل بعض المصارف في تطبيقها!”.
اذاً بات من المؤكد ان كل مصرف يُطبق التعاميم بحسب مصالحه، ليبقى السؤال لماذا كل هذه التعاميم؟ وهل هناك تعاميم جديدة ستصدر قريباً؟
تؤكد مصادر مالية متابعة لـ “الاقتصاد”: ” ان المصرف المركزي يحاول قدر المستطاع مساعدة المصارف للنهوض مجدداً من خلال تعاميم يصدرها بين الحين والآخر، الا ان المشكلة تكمن في استنسابية التطبيق التي تلجأ اليها بعض المصارف، وهذا الامر سينعكس سلباً على هذا القطاع المأزوم أصلاً”.
تضيف المصادر: ” لا شك بأن هدف هذين التعميمين (148 و 151) هو اراحة المصارف من الضغوطات التي يتعرضون اليها يومياً من قبل المودعين اولاً، والحد من استنزاف الدولار وابقائه في المصارف ثانياً وتحت رقابة مصرف لبنان، خوفاً من ارساله خارج لبنان، لكن تحايل بعض المصارف على المودعين دفع بالبعض منهم الى العزوف عن هذه “المنفعة” خوفاً من اجراءات لاحقة”.
تختم المصادر : ” لا شك بأن مصرف لبنان سيستمر في اصدار التعاميم كل ما دعت الحاجة الى ذلك، لكن السؤال يبقى الى اي مدى ستلتزم المصارف في تطبيق هذه التعاميم؟”.
الخوري: هذه الاجراءات ستسرع مسيرة اعادة هيكلة القطاع
من جهته يرى الخبير الاقتصادي الدكتور بيار الخوري ان “الهدف الأساسي من هذين التعميمين (148 و 151) هو التخلص من صغار المودعين الذين خلقوا ارباكاً لهذا القطاع في الفترة السابقة من خلال تجمعهم الدائم امام فروع المصارف للمطالبة بودائعهم الصغيرة،” ويقول لـ “الاقتصاد”: ” هؤلاء الناس هم الأكثرية الشعبية الذين يملكون ودائع صغيرة، وبالتالي التخلص من حساباتهم قد يريح المصارف نوعاً ما، لذلك لجأ الى هذين التعميمين”.
يضيف: ” لقد استحوذ المصرف المركزي على دولارات صغار المودعين بفضل التعميم رقم 151، كما استطاع ايضاً اراحة المصارف بعلاقتها مع المراسلين وتولى هو اقراضهم الدولار بفائدة 20 بالمئة – هذه كلفة مرتفعة على المصارف – بدل ان يسحبوا ودائعهم من الخارج”.
برأي الخوري “المودع لم يعد محمياً، خصوصاً وان الكثير منهم لم يستفيدوا من كل هذه التعاميم باستثاء من كان يملك حساباً بالليرة اللبنانية تحت الـ 5 ملايين ليرة، وهم ليسوا كثر، كون الموظف عادة يسحب راتبه في 29 الى 2 الشهر”.
يختم الخوري: “باعتقادي ان كل هذه الاجراءات ستسرع مسيرة اعادة هيكلة القطاع المصرفي، كونه لم يعد باستطاعته الاستمرار بهذا النزيف الحاصل، خصوصاً وان مصرف لبنان لم يعد قادراً على انعاش المصارف التي فقدت ثقة المودع وثقة من جهة والمُرسِل من جهة أخرى، اضافةً الى تآكل قاعدتها الرأسمالية”.