تعميم جديد يعتزم مصرف لبنان إصداره مطلع الأسبوع المقبل، و«شعاره» أيضاً «إعادة الثقة إلى القطاع المصرفي»، وتفعيل الاقتصاد المحلّي. كيف؟ سيُفرض على أيّ مصرف يُريد استقبال وديعة من الدولارات الطازجة، أن يُكوّن مقابلها احتياطياً لدى مصرف المراسلة (في الخارج) بنسبة 100% من قيمة الوديعة (ما يعني احتمال تحويل كامل المبلغ بالدولار إلى مصرف المراسلة). مثلاً، في حال قَصد شخصٌ مصرفاً حاملاً معه 100 ألف دولار «حقيقي» نقداً، لفتح حساب، فسيكون المصرف أمام خيارين: أولاً، تحويل الـ100 ألف دولار كاملةً ومُباشرةً إلى حسابه لدى مصرف المراسلة. أما ثانياً، فهو فتح حساب محلّي للزبون لإيداع الـ100 ألف دولار، ولكن في مقابلها على المصرف أن يودع 100 ألف دولار لدى مصرف المراسلة في الخارج.
القرار اتُّخذ في اجتماع المجلس المركزي يوم الأربعاء الماضي، على أن يصدر التعميم رسمياً أول الأسبوع المقبل. يبرر سلامة هذه الخطوة بأنّها «الحلّ الوحيد لإعادة ثقة الناس بالقطاع المصرفي».
ولكن هل فعلاً سيُعيد هذا التعميم، الذي لا يؤدّي إلى إعادة هيكلة جذرية، «بناء الثقة» بقطاع مصرفي مُنهار؟ المُقربون من سلامة، وقلّة من المصرفيين، يرون أنّ هذه الخطوة هي «السلاح الوحيد» في الوقت الحالي. يشرحون بأنّ سيولة الـ«3%» التي طُلب من المصارف ضخّها في الخارج (وهي مُقدّرة بنحو 3.4 مليارات دولار للمصارف مُجتمعةً)، ستُشكّل القاعدة للتعميم الجديد، لأنّ الأموال التي جُمعت من السوق وأُرسلت إلى الخارج، ستُستخدم لتغطية حسابات الودائع بالدولار الأميركي. أمّا في حال «جذب» المصارف لودائع بما يفوق قيمة حسابات الـ3%، فـ«عندها سيكون المطلوب من المصارف إمّا تحويل الوديعة الجديدة إلى مصرف المراسلة، أو تكوين احتياطي مُقابلها». ويصف المُقربون من سلامة الخطوة بأنّها ترجمة لـ«الاقتصاد الجديد»، الذي يُشرّع لمرحلة «ما بعد الفريش، والأهمّ أنّه يمنع المصارف من التصرّف بها». أما إذا اختارت الأخيرة إبقاء النقود في فروعها داخل لبنان، «فستضطر إما لشراء الدولارات من السوق لتكوين احتياطي مقابل الوديعة في الخارج، وبالتالي إضافة المزيد من الخسائر إلى موازناتها، أو مدّ يدها إلى أموال أصحابها وكبار المساهمين فيها لتأمين الضمانة»، وهو ما لن تفعله أبداً. ولكن قانوناً، لا توجد موانع على تحويل الدولارات «الطازجة» إلى الخارج، فما الحاجة إلى تعميم يصبّ في الغاية نفسها؟ تُجيب المصادر بأنّ المصارف حالياً «تتسلبط» على «زبون الفريش، كأن تشترط مثلاً تجميد نسبة من وديعة الدولارات الأميركية، مقابل تحويل الباقي». كما أنّ هذه «الجيبة» الصغيرة التي تُخلق من الدولارات الطازجة، «ستُستخدم لتدوير النقد بالدولار وتوظيفه في تمويل عمليات الاستيراد والتصدير».
غالبية المصارف مُنزعجة من التعميم الجديد لأنّه «يحرمها» الاستفادة المُباشرة من توظيفات الدولارات الطازجة، كشراء السندات أو الإقراض أو توظيفها لدى مصرف لبنان أو حتى تحويلها إلى الخارج. وتعتبره يأتي في سياق «الحرب الباردة» وعمليات الشدّ والرخو بينها وبين مصرف لبنان.