تعدّياً على قانون اعادة هيكلة المصارف الذي لم يبصر النور بعد، رغم انه مطلب دولي وشرط اساسي من شروط صندوق النقد الدولي، وتحديداً ما يسمى الشروط المسبقة… واستكمالا لسياسات مصرف لبنان الترقيعية لابتداع حلول مجتزأة للازمة المصرفية… وتماشياً مع عمليات تجميل ميزانيات المصارف منعاً لاعلان افلاسها… أصدر مصرف لبنان مؤخراً التعميم 659 الذي يطالب من خلاله المصارف بأن تقوم بتصفية مراكز القطع المدينة المفتوحة كما في 31-12-2022 وذلك تدريجياً على فترة خمس سنوات. في المقابل أتاح البنك المركزي للمصارف، اعادة تخمين موجوداتها العقارية في الداخل والخارج في مهلة اقصاها 31-12-2023، على ان تحتسب نسبة 50 في المئة من ربح التحسين الناتجة عن عمليات اعادة التخمين، ضمن الاموال الخاصة الاساسية للمصارف. كما انه وبشكل استثنائي، سمح مصرف لبنان، للمصارف، بغية احتساب ربح التحسين، بتقييم الموجودات، بالدولار الاميركي الـfresh واحتسابه مقابل الليرة على سعر صرف منصة صيرفة كما في 31 كانون الاول من كل عام ولمدة 5 سنوات. أي أن ربح التحسين من اعادة التخمين العقاري سيزيد سنوياً لمدّة خمس سنوات تماشياً مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة على منصة صيرفة، علماً بأن سعر صرف الليرة سيواصل انهياره في حال بقي المسار الاصلاحي الشامل معطّلاً كما هو الحال اليوم، او في أحسن الاحوال، قد يبقى سعر الصرف مستقرّاً عند حوالى مستوياته الحالية، وهو الامر المستبعد حدوثه.
ماذا في خفايا التعميم 659؟
هو آلية ستتيح للمصارف ان تستمرّ لمدّة 5 سنوات اضافية كمصارف «زومبي» كما هي اليوم، وسيعفيها من اعادة الرسملة الحقيقية المطلوبة حتماً ضمن عملية اعادة الهيكلة المفترض اتمامها والتي يتم التهرّب منها من خلال هذا التعميم. وبدلاً من ان يؤمّن اصحاب المصارف رساميل حرّة جديدة، وجد مصرف لبنان الحلّ لها لتغطية خسائرها من خلال اعادة تخمين اصولها العقارية وتسجيل ربح التحسين الناتج عن تلك العملية ضمن اموالها الخاصة. وفي الخلاصة تكون المصارف قد زادت رساميلها وهمياً أي على «الورق» من دون ان تضطرها عملية اعادة الهيكلة الى ضخ سيولة نقدية جديدة يمكن ان تعيد، ولو جزءاً من اموال المودعين.
إنقاذ للمصرفيين وليس المودعين
في هذا السياق، اعتبر رئيس لجنة حماية حقوق المودعين المحامي كريم ضاهر ان هذا التعميم هو نوع من اعادة هيكلة مبسّطة للمصارف، ومحاولة من قبل مصرف لبنان لانتشال المصرفيين من «الوَرطة» التي أقحموا أنفسهم بها من دون تطبيق أيّ حلّ جدّي للازمة الحقيقية. وأوضح ضاهر لـ»نداء الوطن» ان هذا التعميم لا يمكن ان يمرّ بمعزل عن قانون الكابيتال كونترول المتوقع اقراره في خلال الاسبوعين المقبلين في مجلس النواب. وذلك من ضمن تشريع الضرورة وبذريعة انه مطلب صندوق النقد الدولي خصوصاً بعد عودة الوفد النيابي من واشنطن. ورغم ان قانون اعادة هيكلة المصارف هو مطلب صندوق النقد ايضاً، إلا ان ضاهر اعتبر انه لا يمكن ان يقَرّ بسهولة، ويحتاج الى اشهر عدّة للتوصل الى صيغة مرضية لكافة الاطراف. حيث سيكون هناك اعتراض كبير عليه، «والدليل على ذلك ان قانون اعادة التوازن المالي يشهد حالياً انتقادات وتباينات عديدة بالآراء». وبالتالي، رأى ان السلطة المصرفية تعتبر ان اقرار قانون الكابيتال كونترول حالياً سيتيح لها منع اي محاولات للمحاسبة او المراجعة، يوازيه تطبيق التعميم 659 لاعادة «تجميل ميزانيات المصارف على فترة 5 سنوات، علماً انه يعامل كافة المصارف على قدم المساواة بغض النظر عن ملاءتها المالية». وشرح ضاهر ان هذا التعميم، أتى بالتوازي مع رفع سعر الصرف الى 15 ألف ليرة، والذي أدّى الى تآكل رساميل المصارف من حوالى 16 مليار دولار الى ملياري دولار، مما سيضطّرها الى اعادة الرسملة نقداً، وإلا يصار الى وضع مصرف لبنان يده على المصارف غير القادرة على ضخ رساميل طازجة. وقد منحها مصرف لبنان فترة 5 سنوات لاعادة الرسملة، محدّداً نسب العجز المسموح بها سنوياً وصولاً الى عجز 0 في المئة في العام 2027.
إنتاج أرباح وهمية على الورق
إلا انه في المقابل، يطرح التعميم على المصارف، توزيع أرباح وهمية من خلال اعادة تخمين الاصول العقارية للمصارف في الداخل والخارج. «وهو الطعم الاساس الذي يتضمنه التعميم» كونه يعيد تقييم الاصول محتسبا 50% من ربح التحسين الناتج عن عمليات اعادة التخمين، ضمن الاموال الخاصة للمصارف، مما يسمح لها بتغطية الخسائر الناتجة عن تعديل سعر الصرف وتآكل رساميلها، علماً انه من المفترض ان يستفيد المودعون من ربح التحسين الناتج عن اعادة تخمين اصول المصارف وليس اصحاب المصارف فقط. إلا ان اتمام هذه العمليات، وفقاً لضاهر، سيتم تسجيلها كقيود حسابية فقط أي دفترية لتغطية خسائر اصحاب المصارف، ولن يتأتى عنها أي ربح نقدي فعلي يعود بالفائدة على المودعين ويعيد لهم حقوقهم المالية، بل يهدف فقط الى حماية اصحاب المصارف من اعادة الرسملة الحقيقية، التي تستوجب تأمين اموال نقدية جديدة حرّة يمكن استخدامها لتفعيل عمل المصارف، واستعادة دورها الحقيقي وبالتالي اعادة جزء من اموال المودعين.
تجاهل تطبيق قوانين نافذة
في المقابل، سأل ضاهر: في غياب قانون اعادة الهيكلة، لماذا لم يطبّق مصرف لبنان القوانين النافذة التي طبقها على بنك البركة، و»فيدرال بنك» و»كريدي ناسيونال»، على المصارف المتهاوية؟ «لماذا لم يلجأ الى القانون 267 والمادة 208 من قانون النقد والتسليف التي تسمح بتعيين مدير مؤقت، ومن ثم تصفية المصرف غير القادر على الاستمرار؟ لماذا لم يطبق القانون 11091 الذي يتيح لمصرف لبنان وضع يده على المصرف المتهاوي على غرار ما فعل مع بنك المدينة، و»جمّال ترست بنك» والبنك اللبناني الكندي؟ لماذا يسعى لتغطية تجاوزات المصارف بدلاً من تغيير اداراتها؟
تذويب المزيد من الودائع
وتخوّف ضاهر في الختام من ان يكون هذا التعميم بالاضافة الى قانون الكابيتال كونترول والتعاميم السابقة للبنك المركزي، مقدّمة لاستمرارية المنظومة المصرفية الحالية والتمديد لحاكم مصرف لبنان من خلال تعديل قانون النقد والتسيلف، «بذريعة أننا بمرحلة استثنائية وبحاجة لمنقذ مثل الحاكم الحالي». معتبراً انها عملية إنقاذ للمصرفيين والنظام القائم وليس المودعين، ومحاولة لكسب المزيد من الوقت من اجل تذويب المزيد من الودائع، على امل أيضاً الحصول لاحقاً على أصول الدولة!
إستنتاج
ولكن تلك الملاءة التي يسعى اليها المسؤولون عن القطاع المصرفي اليوم، هي ملاءة مالية على الورق، وليست ملاءة مالية حقيقية. وبالتالي فان التعويل على استعادة الثقة بالقطاع المصرفي من خلال هذه العملية، وليس من خلال ضخ السيولة النقدية واعادة جزء من الودائع، هو وهم جديد سيفرض على المودعين خلال السنوات الخمس المقبلة.
مصرفي: محاولة لإنتظام عمل البنوك
من وجهة نظر المصارف، أكد مصدر مصرفي لـ»نداء الوطن» ان التعميم 650 هو ضمن خطط مصرف لبنان لاعادة هيكلة غير مباشرة للمصارف، ومن دون قانون. مشيراً الى ان المصرف الذي يستطيع تلبية شروط هذا التعميم يمكنه الاستمرار، والمصرف الذي يتخلّف عن التطبيق بحلول فترة الخمس سنوات المحددة، سيصار الى تصفيته. ومن لا يستطيع ردم خسائره المالية المتأتية من اعادة تقييم سعر الصرف من 1500 ليرة الى 15 ألف ليرة خلال تلك الفترة، سيصبح خارج السوق. موضحاً انه لاعادة تكوين رساميل المصارف، منح مصرف لبنان المصارف فترة 5 سنوات، محدداً نسب العجز المسموح بها في كلّ عام، وذلك مقابل السماح لها باعادة تخمين اصولها العقارية واحتساب 50 في المئة من ربح التحسين ضمن اموالها الخاصة، في حين ان مساهماتها في الشركات العقارية سيتم احتساب نسبة 100 في المئة من ربح التحسين الناتج عن عملية اعادة التخمين، ضمن الاموال الخاصة.
وردّا على سؤال، اكد ان اعادة الرسملة رغم انها تستوجب ضخ رساميل حرّة نقدية، إلا ان اعادة الهيكلة التي يقترحها مصرف لبنان بالاضافة الى تعاميمه السابقة منها زيادة رأسمال المصارف بنسبة 20 في المئة، وتكوين سيولة بنسبة 3 في المئة من مجموع ودائع المصارف في حسابات خارجية وغيرها من التعاميم، يمكن ان تؤدي الى انتظام عمل المصارف من جديد، في حال استطاعت الوفاء بها كافة. واعتبر المصدر ان هناك مصارف عدّة لن تستطيع تغطية خسائرها واعادة تكوين رأسمالها من خلال اعادة تخمين اصولها العقارية فقط، مما سيضطرها الى تأمين سيولة نقدية جديدة، وفي حال تعذّرها، ستخرج من السوق!
واعتبر ان من شأن اقرار قانون الانتظام المالي وقانون الكابيتال كونترول بالاضافة الى تطبيق التعميم 659، ان تعيد الى المصارف ملاءتها المالية، يليها اعتراف الدولة بديونها للقطاع المصرفي ومساهمتها المالية في هذه الورشة.